منذ الثلاثاء بدأت النيابات العامة فى عدد من المدن والمحافظات التحقيق مع المقبوض عليهم فى التظاهرات السلمية التى شهدتها مصر، وشارك فيها عشرات الآلاف على أقل تقدير، يوم الثلاثاء، بينما ترى تقديرات أخرى أن الأعداد كانت فى حدود مئات الآلاف، بعدد من التهم على رأسها قلب نظام الحكم.
أنا شخصيا أعرف بعضاً ممن تم القبض عليهم فى القاهرة، وهم شباب فى السادسة عشرة من عمرهم، من أصدقاء ابنى فى الصف الثالث الثانوى، خرجوا ليعبروا عن أنفسهم ويحلموا بمستقبل أفضل، ووطن مختلف عن الوطن الذى نعيش فيه.
لا يعملون بالسياسة، ولم يسبق لهم الانضمام إلى حزب سياسى أو جماعة مشروعة أو غير مشروعة.. الجماعة الوحيدة التى انتموا إليها هى جماعة الوطن.
يذهبون إلى استاد القاهرة فى مباريات المنتخب، يحملون أعلام مصر، ويرسمون الأعلام على وجوههم، ويشجعون فريق بلادهم، وحين تفوز مصر ببطولة كأس الأمم الأفريقية يخرجون للاحتفال فى الشوارع وهم يحملون الأعلام ويغنون بلادى بلادى لك حبى وفؤداى.
معظم من تم القبض عليهم على شاكلة أصدقاء وزملاء ابنى، إنهم جمهور الوطن، كل تهمتهم فى الحياة أنهم لا يزالون يحبون بلدهم، ولم تلوثهم السياسة بعد، ولم يلعب أحد فى دماغهم، كما يقول وزير الداخلية، وليسوا عناصر نشطة فى جماعة الإخوان المسلمين كما تقول الأجهزة الأمنية والحزب الوطنى ومن يواليهم.
لم يحملوا الحجارة، ولم يعتدوا على رجال الأمن، ولم يحاولوا حرق المنشآت العامة أو الخاصة، وبالتالى لا يعرفون من الأساس ماذا تعنى تهمة كل قلب نظام الحكم، وأخشى أن توجيه مثل هذه التهمة الخطيرة التى تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة قد تطال الكثيرين ممن لم يفعلوا شيئا سوى استخدام أبسط حقوق الإنسان وهو الحق فى التعبير عن الرأى عبر التظاهر السلمى.
كنت عند نقابة الصحفيين أمس حينما وقف الصحفيون على سلالم نقابتهم، والمحامون داخل نقابتهم دعما للمتظاهرين، وللمطالب الداعية إلى الحرية والتغيير، ولم أشهد مواطنا يعتدى على رجال الأمن أو المنشآت العامة، لكننى رأيت الشرطة وهى تحاول فض المتظاهرين بالقوة، وأطلقت عشرات من قنابل الدخان التى حولت المنطقة إلى ساحة حرب.
وأعرف أن من بين التهم التى يجرى إعدادها الآن تهمة مقاومة السلطات، ولا أعرف هل المطلوب أن تضرب الشرطة المظاهرات السلمية بالعصى، وتحاول تفريقهم بقنابل الدخان، ثم نقول للناس لا تغضبوا، لا تقولوا لا، انصرفوا بهدوء وإلا حاكمناكم بتهمة مقاومة السلطات؟
التظاهر السلمى ليس جريمة، ومن تظاهروا فى مصر طيلة اليومين الماضيين مارسوا حقوقهم الطبيعية، وعبروا عما يجيش بصدورهم، والتزموا الهدوء وضبط النفس قدر الإمكان، وقدموا صورة أكثر من حضارية لمواطن يعرف كيف يحتج وكيف يقول لا، وإذا كانت لا للظلم وعدم العدالة.. ولا للفساد تعنى قلب نظام الحكم، فأرجوا أن تقبضوا علينا جميعا وتحاكمونا، فنحن جميعا نقول لا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة