لم تكف أمل عن نداءاتها ماما انتى فين ؟ هكذا وتمر ساعات الليل مؤرقة بطيئة باردة تارة حارة تارة أخرى وأم أمل تبحث عن الأمل أن تجد مايكفى دواء يذهب حر جسم ابنتها أمل ولاحيلة أمامها الا أن تضع قماش الكمادات فى صحن ماءبارد أعدته خصيصا لذلك لتبرد لأمل رأسها الملتهب منذ صباح اليوم والذى لا ينتظر إلا أن ينطق إننى أغلى !!
صحن الماء البارد نفسه صار حارا لحرارة الأمل والأم تذرف الدمع فيتساقط فى الصحن لعله يزيده برودة , وأمل من وعكة الحمى تكاد تغمض عينيها فلا ترى بهما دموع أمها الباكية
وقفت الأم فى حيرة من أمرها البيت مافيه ولا مليم ؟!! أحست شيئا من الثبات وأوحى اليها أن تتوضأ فتصلــى أجل تصلى ويعبث بها وسواسها وتلاحقها أفكار شؤم :
ها تصلى يبدو أن ابنتك على وشك أن .. !!
تضطرب فى الحال جزعا لا تريد حتى أن ينطق وسواسها بالكلمة المشئومة لا لا ثم تذكرت دروس المسجد القريب من بيتها وآخر درس للمعلمة فاطمة.
وقاومت ملاحقة الوسواس الملعون والتى لاتكاد تصيبها إلا جزعا وهلعا فقامت وتوضأت وتهيأت للصلاة وأفردت السجادة وتهيأت بعزيمة للصلاة وبجوار فراش ابنتها التى ظلت تمسك بيدها فى بطء وأجابتها :
أنا جنبك يا أمل ما تخافيش يا حبيبتي.
وبينما تؤدى الصلاة صارت تبكى راكعة وتبكى ساجدة ومن فرط بكائها نسيت أن تدعو وربما نسيت حتى أن تنطق بتسبيحات الركوع أوالسجود
وتلفتت تسلم السلام عليكم ورحمة الله وهى تخاطب نفسها : أنا باين ما قلتش سبحان ربى الأعلى معقول أنا .. وتوقفت عن حديث نفسها وأسرعت الى نداءات أمل: ماما انتى فين ؟؟؟
وبينما أخذت تلملم السجادة سمعت طرقا على الباب فقالت فى نفسها: مين اللى ها ييجى دلوقتى ليكون ربنا استجاب يارب. وتسبق خاطرة الفرج وبارقة الأمل كل سكناتها
وهبت الى الباب فاذا بجارتها العجوز التى دأبت تصحبها معها الى المسجد خاصة لتحضر درس الشيخة فاطمة وقد علمت بمرض ابنتها أمل الحبوبة ذات السبع سنوات خفيفة الظل ونيسة أمها خاصة فى غياب الأب العامل المكابد بين جبال الغربة , دخلت السيدة العجوز أم أنس وهى تقول : أنا ما جالى نوم الا ما أطمن على أمل وقفلت الباب بينما أم أمل لاتجيب الا فى صوت خافت : الله يبارك لك يا أم أنس تعبت نفسك ليه ؟
وبدأ الحوار بينهن لايسترسل بكلمات سوى صمت قلق وسؤال للاطمئنان وتمر اللحظات وتسمع طرقات مرة أخرى على الباب وتسأل أم أمل : هو فيه حد تانى معاك يا أم أنس أجابت العجوز الطيبة : أبدا ما حدش يعرف غيرى
وفتحت أم أمل الباب فإذا برجل يرتدى بدلة أنيقة ونظارة طبية وقال وكأنه فى عجل من أمره : فين المريضة ؟؟ ومن فرط الدهشة لم تجب أم أمل بشيئ سوى بكلمات تخنقها العبرات : اتفضل
وأدلف الطبيب الى الحجرة وفتح حقيبته وأم أمل تنظراليه نظرات شك وقلق وهى تراقب حركة يده فوق رأس البنت و بطنها و يبدو أنها يد خبير ثم سألها سؤال الطبيب العادى
منذ متى الحرارة ؟ هل قمت بقياسها ؟ماذا أكلت آخر مرة؟ فى أى مدرسة ؟ ولما وجدها هكذا صامتة مضطربة الى أن قال : انت ما بترديش ليه ياست ؟؟
وانعقد لسان أم أمل مما يجرى حولها وكأنها ابتلعته أو أصيبت بصمم وربما شلل !! ولما لم يجد الطبيب أى اجابات منها اعطاها فى عجالة الروشتة وقال : إن شاء الله هتبقى تمام احضرى هذا الدواء آلان و اتجه الى الباب مسرعا ثم توقف يسألها عن أجرة الكشف عندها فقط ردت أم أمل فى ارتباك شديد يخالطه الدموع :
ما فيش فلوس فى البيت يا دكتور !!
دهش الطبيب وبدت نظرة غضب على وجهه قائلا :
أظن يا هانم من العيب أن تتصلوا بى فى هذا الوقت من الليل وتتعجلونى ثم تقولى مافيش ؟؟
قالت : انا لم أتصل بك خالص !
قال : ماذا ؟؟ كيف ؟وخرج لتوه ينظر الى باب الشقة من الخارج وتابع قائلا : هى دى مش شقة الاستاذ رضا وهو ينظر بصعوبة من خلال نظارته ثم انتابته حيرة فى الحال وكأنه اكتشف شيئا ما وأشارت أم أمل بيدها الى الشقة التى أمامها مباشرة وقالت :
هى دى شقة الاستاذ رضا
عندها توقف لسان الطبيب عن الكلام وتوقفت معه أم أمل وأدرك الطبيب حال الأم وجال بنظرة سريعة الى داخل البيت والى العجوز الطيبة أم أنس التى كانت جالسة على الأريكة وقد أدركت نظرته نحوها فقالت فى الحال : الله يبارك لك يا دكتور الله يطول عمرك ثم عاد بنظره الى الأم المسكينة وقال: أأنت لوحدك والست العجوزة دى فى البيت؟؟ وأومأت برأسها وهى لازالت مرتبكة دون أن تتلفظ
وتنفس الصعداء وأحنى برأسه و غلبته رحمة الطبيب ثم قال : يبدو إن فيه شيئ غريب حصل ما أرسلنى الى هذا البيت الاالله إطمئنى يا أم أمل سوف أحضر لك بنفسى الدواء وسوف أطمئن كل يوم على البنت ووقعت كلمات الطبيب كالصاعقة على صدر أم أمل فانفجرت فى التو و اللحظة باكية ولكن هذه المره بصوت عال كأنه بكاء الفرج و أدركت قيمة لم تستشعرها من قبل قيمة صلاة أدتها لم تذكر أسبحت فيها أم لم تسبح ؟ دعت أم لم تدعو و تذكرت فقط أنها بكت...!
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة