ساقتنى المقادير أخيرا إلى زيارة مدينة رشيد، والحقيقة أننى غبت عنها طويلا، إلا أن صورتها الرائعة ظلت مطبوعة فى ذاكرتى، بشوارعها النظيفة، ومبانيها المملوكية الشامخة، ومساجدها الأثرية العظيمة، ونيلها العتيد يجرى أمامها كالحارس العاشق! كنا نزورها ونحن تلاميذ فى رحلات مدرسية، فتبهرنا كل قطعة فيها، ونعيش بعد ذلك نسترجع
أجمل الذكريات.
ليتنى حافظت على صورتها القديمة، ولم أفجع حين رأيتها هذا الأسبوع، فقد رأيت عجوزا شمطاء نال منها الزمن، وأهملها المسئولون فإذا الشوارع برك من وحل، يسدها الباعة فلا يستطيع الإنسان أن يسير فيها إلا خائضا أو ساقطا كنخلة خاوية، وإذا القمامة ترتفع أكواما فى عيون الموطنين والأجانب، غير عابئة بما للمدينة من موهبة سياحية، والذباب
يحلق فوق السمك والخضروات المكشوفة فى مشهد عبثى يرفع الضغط.
ليست هذه رشيد، ولا ينبغى أن تكون كذلك، فلو أن جزءا يسيرا من آثارها، وجوها يتوفر فى أى دولة من دول العالم لنهضت بها، ولجعلتها آية فى النظافة والنظام، رشيد تحتاج إلى إعادة تخطيط، ليكون بها أسواق عصرية بعيدا عن الشوارع، ومعارض لمشغولات البيئة والتراث، وفنادق تستوعب الزائرين! وشركة نظافة تزيل الطين عن وجهها!
والعجيب أن جيشا من الموظفين فى الوحدة المحلية لا يحرك ساكنا لإعادة الوجه المشرق لعروس المدن!
أيها السادة الكرام لماذا نحطم ثرواتنا وتراثنا؟ وإلى متى سنخرب بيوتنا بأيدينا؟ ومتى نستيقظ ونلحق بالعالم المتمدن؟ وفى البدء والختام أسأل: من ينقذ رشيد؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة