بالمقاييس المهنية الصحفية فجرت قناة الجزيرة القطرية مساء أمس قنبلة من العيار الثقيل، حينما بدأت فى كشف ما أسمته الوثائق السرية للمفاوضات السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال عشر سنوات.
وبغض النظر عن الانفراد الصحفى، والحملة الإعلامية الكبيرة التى بدأتها الجزيرة، لا أرى جديدا فى الوثائق التى نشرت أمس أو أذيعت حول القدس، ومن يراجع جيدا تفاصيل مفاوضات كامب ديفيد الثانية التى جرت عام 2000 بين الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق أيهود باراك، برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق أيضا بيل كلينتون، سيعرف بلا شك أن المفاوضات حول القدس تجاوزت ما دار فى تلك الوثائق.. حيث كان الحديث يجرى حول القدس شبرا سبرا، والسيادة فوق الأرض، والسيادة تحت الأرض، وانتهت تلك المفاوضات بالفشل وقال عرفات كلمته الشهيرة: لا أنا ولا أى عربى يمكنه توقيع اتفاق يتخلى فيه عن القدس.
وأعود بالناس إلى الذاكرة حيث إن إفشال أبو عمار تلك المفاوضات، كان سببا فى تأزيم أوضاع السلطة الفلسطينية بالزيارة المشئومة التى قام بها زعيم المعارضة الإسرائيلية فى ذلك الوقت أرييل شارون للمسجد الأقصى، والتى أدت إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، أو ما عرف بانتفاضة الأقصى، ورغم نجاحها فى مقاومة الاحتلال وتنفيذ عمليات نوعية ضده، انتهت بإعادة إحتلال الضفة الغربية، واعتقال نحو عشرة آلاف فلسطينى، وإضعاف السلطة الفلسطينية مما ساهم فى انهيارها بعد ذلك فى غزة.
وبالمهنية أيضا أعتقد أن الجزيرة لم تسمح للطرف الذى تتهمه بالتفريط فى القدس، وهى أقصى جريمة يمكن أن يتهم بها عربى، بتحليل ما جاء فى الوثائق، ولم تتح لممثلى السلطة الفلسطينية الإطلاع الكامل على الوثائق والاستعداد للرد، بينما احتشدت وجهزت الخرائط، والرسوم التوضيحية ومن يدعمون وجهة نظرها.
وبغض النظر عن المهنية الصحفية من عدمه، أعتقد جازما أن اختيار هذا التوقيت لنشر وثائق المفاوضات السرية، هو محاولة لإشعال الوضع فى الأراضى الفلسطينية، وزيادة الضغوط على السلطة الفلسطينية فى رام الله لإسقاطها، بعد إشعال حرب أهلية فلسطينية كما حدث فى غزة من قبل.
وإذا كانت لبنان على أبواب حرب أهلية جديدة، قد تؤدى إلى تقسيم هذا البلد بشكل طائفى، فى ظل معارضة السنة تحكم الشيعة فى تشكيل الحكومة واختيار رئيس وزرائها، وفى ظل خوف معظم المسيحيين اللبنانيين من سيطرة حزب الله على البلد، لدرجة أنهم طلبوا من رئيسهم أمس مخاطبة الأمم المتحدة والجامعة العربية، فنحن إذا أمام حربين مشتعلتين فى دول المواجهة مع إسرائيل.. وهنا يبدو السؤال منطقيا: من يستفيد من هذا الاشتعال؟.. هل إسرائيل التى يسعدها كثيرا الحروب الأهلية العربية؟.. أم إيران التى تستخدم قضايانا فى ملفها التفاوضى حول مشروعها النووى مع الغرب؟
لا أعتقد فى نظرية المؤمرة لكن الحريق الكبير الذى أشعلته الجزيرة أمس يشير بوضح إلى مؤامرة لا تبدو أطرافها ولا المستفيد منها خافيا أو مختفيا.