صورة أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مريض نفسيا, مختل عقليا, يعانى اضطرابات نفسية, كلها عبارات باتت تتردد على مسامعنا فى هذه الأيام، وصارت من أشهر الشماعات التى يعلق عليها أى مسئول عجزه عن تبرير ما يقابله من مواقف تظهر للعلن، ويتناولها الرأى العام وبدلا من الاعتراف بأن هناك مشكلة ما يسرع المسئولون بتبرير ما يصدر عن البعض من تصرفات غير مسئولة سواء بسبب اليأس أو الظلم أو عدم تحملهم، لمواجهة مصاعب الحياة بأنهم مرضى نفسيون ومختلون أو أنهم يعانون الاضطرابات العقلية والسلوكية، وتمادى المسئولون فى هذه التبريرات لدرجة لفتت الأنظار حتى شعرنا بأن نصف عدد سكان مصر أصبح مختلا، والنصف الآخر على وشك.
فالسائق الذى أطلق النيران على أتوبيس الشركة مريض نفسيا، والشاب الذى شنق نفسه أسفل الكوبرى كان يعانى الاكتئاب، ومرتكب حادث قطار سمالوط مختل عقليا وغيره وغيره حتى المواطن المسكين الذى أحرق نفسه أمام البرلمان لعجزه عن الحصول على بعض أرغفة من الخبز سارعوا بوصفه بأنه مختل، وأنه مريض نفسيا. قتل خالد سعيد لابتلاعه لفافة بانجو وسيد بلال لهبوط بالدورة الدموية، ومن المؤكد أن مرتكب حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية سوف يظهر أنه ابتلع لفافة بها بمب، أو أنه كان يشعر ببعض الزهق فانفجر من تلقاء نفسه.
تبريرات لا حصر لها والغريب أن كلها لا تصدق ولا يقبلها العقل ولا المنطق، ولكن ما زالت تردد وتتكرر. فإذا سلمنا جدلا أن المواطن الذى أحرق نفسه مختل عقليا كما يدعون هل المحامى الذى أحرق نفسه أيضا مختل؟ وهل المواطن السكندرى الذى توفى إثر حريقه لنفسه أيضا مختل؟ وهل موظف شركة الطيران الذى يهدد بحرق نفسه مريض نفسيا هو الآخر أم أنهم جميعا يشعرون بالظلم واليأس ولم يجدوا طريقة للتعبير عن ظلمهم إلا بحرق أنفسهم؟ ليست موضة كما يدعى البعض ولا وسيلة للشهرة وجذب الانتباه، لأن آلام الحريق لا يتحملها بشر، ولا أظن أبدا أن يقدم إنسان على تحمل كل هذه الآلام الرهيبة التى قد تفضى به للموت من أجل شهرة أو لفت انتباه، وإنما من المؤكد أنه وصل لدرجة من اليأس استحالت معها الحياة، فلجأ لما يظلم به نفسه ويغضب به ربه، فالله سبحانه وتعالى قد نهى عن قتل النفس والمنتحر ينهى حياته كافرا فما يدفعه إلى ذلك أكيد ليس تقليدا أعمى ولا موضة جديدة، وإنما ما هو أشد من تحمله للهيب ونار وآلام مبرحة.
والخوف أن تنتشر هذه الظاهرة أكثر من ذلك ويقدم عدد أكبر من المواطنين على حرق أنفسهم، وبالتالى سوف تكون النتيجة ارتفاع أسعار البنزين والجاز ومطاردة أمنية لكل مواطن يشترى مواد بترولية والاشتباه فى كل من يرغب فى شراء ولاعة أو كبريت، وربما يضاف الجاز بعد ذلك على بطاقة التموين ولا يباع لمن هم دون الثمانية عشر عاما، وطبعا سوف يزيد الإقبال على طفيات الحريق وستلقى السوق السوداء رواجا هائلا بعد اختفاء القطن والشاش ومراهم الحريق من الصيدليات، وبما أن المبرر الوحيد الذى يملكه المسئولون هو أن من يقدم على أى عمل يطالب به بحقه أو يعترض به على ظلما وقع عليه أو يعبر به عن واقع مر أليم يعيشه أو مأساة يمر بها أنه مختل عقليا أو مريض نفسيا، لذلك نطالب السادة المسئولين بزيادة أعداد المستشفيات النفسية والعصبية حتى تستوعب العدد الذى سيحول لها فى الفترة القادمة بعد ظهور أول بيان للحكومة بإيداع الشعب كله فى المصحات النفسية لثبوت إصابته بالمرض النفسى والخلل العقلى.
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة