اعتصامات.. تظاهرات.. احتجاجات.. اضطرابات.. ف"الثورة". هكذا تحولت تونس "الخضراء" إلى "حمراء" فى غضون أيام بعدما غطت الدماء شوارعها وعلت ألسنة النيران لتطال سمائها، تلك التى سرعان ما سطعت "شمس الحرية" عليها لتبدد غيومها، إيذانا بميلاد فجر جديد فى عام جديد، وليسطر شعب (تونس).. شهداء وأحياء.. يسطرون جميعا سطرا جديدا فى التاريخ العربى المعاصر.
أحداث (تونس) لم تك وليدة اللحظة، بل ولم تأت من قبيل المصادفة. كذا فإن "الثورة" لم تندلع فقط كنتيجة لنزيف دماء "بائع الخضار" كما صورها البعض من الجهلاء. فالأحداث فى مجملها كانت بمثابة الحصاد المر لبذور الفقر والقهر، التى دأب رجال النظام زراعتها وتوطيد جذورها عبر كثير سنوات، ليتحول معها الأخضر إلى أحمر بلون دماء الفقراء والمعدومين من المقهورين.. من أبناء شعب لم يجد من متاح الخيارات أمامه سوى خيار الإنتفاض.
إدمان السلطة ظل بلا دواء حتى النزع الأخير، حيث جاءت كلمات "بن على" الأخيرة غير واعية إلى أن الأزمة لم تعد بحاجة لها، حيث ملت الأذان سماعها.. وأصابها الصمم تجاهها.. فلم تعد تجدى نفعا ولا تؤتى بشفاعة، بعدما أنقطعت الشعرة الفارقة بين الحياة والموت وتساوت كفتيهما، من ثم فلم يعد هناك ما يمنع الجميع من الموت شهداء كبديلا عن الموت فقراء.
عدوى"الثورة" فى تونس، والتى بدأت وتيرة التحذيرات فى التصاعد خوفا من سرعة إنتشارها كالوباء فى الجسد العربى المريض.. هى تحذيرات الوقت الضائع بعدما فات أوان العزل، وإمكانية إعادة الوصل بين الشعوب وأنظمتها، حيث لم يتبق سوى إطلاق التحذير الأخير لها:"حذار من جوعى.. ومن غضبى"، تلك التى حملتها كاميرات وكالات الأنباء خلال الأيام القليلة الماضية فى كلا من الأردن وليبيا والجزائر، بل ومن قبلهم جميعا فى مصر.
أخيرا فإن "ثورة" تونس هى الدليل الأوضح على أن رياح "التغيير" أتية.. أتية، ذلك مهما طال إنتظارها، حيث باتت مختلف الأجواء حولها ملائمة لها، بل وأستشعر الكثيرون عبيرها فى الجوار عبر ثقوب الأبواب المغلقة، تلك التى لم يعد لدى حراسها القدرة على الصمود طويلا وقوفا فى وجهها.. فإما أن تفتح الأن وتنحنى الرؤوس لها.. أو يتم خلعها، وليهرب الجبناء ورائها من أمامها.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة