ليس شأناً تونسياً داخلياً أن تقتل الشرطة حوالى مائة مواطن وتجرح أكثر من ألف.. وليس شأناً تونسياً داخلياً أن ينتفض الناس فى وجه نظام من مخلفات كل حقب التخلف فى أنظمة الحكم فى العالم.
فقتل التونسيين ليس شأناً محلياً، لأن هذا النظام لم يرث الشعب ولم يمتلكه، وقناصة شرطته الذين اصطادوهم من فوق أسطح المنازل هم ليسوا ظلال الله فى الأرض ليحيوا ويميتوا، فهم مجرد آلات للقتل والقمع، ومن يحال للتقاعد منهم يتحول لقاتل مأجور، أو بودى جارد أو قاطع طريق.
وانتفاضة الشعب التونسى الكريم فى وجه هذا النظام النتن ليس شأناً خاصاً، بل يجب على كل الأحرار والقوى الشعبية فى العالم العربى أن يدعموه، وهو للأسف ما لم يحدث، متناسين المقولة الشهيرة "أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض".
فانتفاضة تونس تطرح عدداً من الإشكاليات والأمثلة والدروس، فهى تصف بدقة علاقة الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة بالشعوب التى تحكمها، وتؤكد عدم وطنية تلك الأنظمة وليس فقط فسادها، والدليل على ذلك فى تونس قتل الناس العزل فى الشوارع عندما خرجوا عليهم، وهو ما يعيد التساؤل حول دور أجهزة الشرطة فى تلك الأنظمة القمعية، وهل هى فعلا تقوم بعمل وطنى لصالح الوطن والشعب، أم أنها تعمل لحراسة النظام ضد الشعب، وهو ما يطرح أيضاً تساؤلاً جديداً حول العقيدة الأمنية لدى تلك الأجهزة، وإلى أى مدى ستمعن فى قتل الناس إذا جد الجد.
كما تؤكد تلك الانتفاضة الشعبية المباركة هشاشة الأنظمة الدكتاتورية وضعفها وجبنها الشديد عندما يشعرون بغضب الشعب، فبن على أخرج أسرته من تونس مع احتدام الأزمة، حتى يكون فراره سهلاً أمام جموع الشعب الغاضب، كما قام الرجل بالتنازل السريع عبر يومين فقط عن كل شيء حتى عن كرامته، من أجل أن يهدئ من روع الشعب وغضبه، ولكنه لم يفلح، لأن التونسيين الأحرار يعرفونه جيداً، فهو لم يحدثهم عن شهدائهم ومن قتلهم، وعن جرحاهم ومن أصابهم، ولم يجرؤ عن الحديث عن ثأر الناس معه، ومع نظامه، ومع كلاب حراسته، أولئك القتلة، ولذلك خرج عليه التونسيون أيضاً رغم انبطاحه التكتيكى مرددين "تونس حرة.. بن على برة"، فهم يعرفون الرجل جيداً، وأنا يتمسكن حتى يتمكن.
فبن على الذى كان يعد العدة لتوريث الحكم لأحد أفراد أسرته، راح يقول للناس "لا توجد رئاسة مدى الحياة"، وأنه كان مضللا من قبل بطانته.
فالرجل الذى كان وزيراً للداخلية لعشرات السنين فى تونس يدعى عدم علمه بحجم القمع والقهر الذى كان يحكم به الدولة، وهو المخرج الساذج الذى انقلب عليه، حيث أصبح باعترافه مجرد مغفل لا يصلح لإدارة البلاد، فلو كان يعرف فتلك مصيبة، ولو كان لا يعرف فالمصيبة أعظم.
ولأن نسمات الحرية فى تونس الخضراء بدأت تهب، ولأننا نحمل جميلاً عظيماً للعم بيرم التونسى الذى غنى لمصر وناضل من أجلها وذاق الأمرين، ولأننا نحمل جميل الشاعر التونسى الرائع أبو القاسم الشابى، الذى قال إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر، ولأننا أبناء تلك الأمة وتلك القارة، ولأننا بشر ويجب أن ندافع عن حقوق البشر، ولأنهم الذين سبقونا فى الإيمان بالحرية والوطن.. يجب أن نتضامن مع الأشقاء، وندافع عنهم ونرفض أن يقتلوا فى طرقات أوطانهم، لأنهم يطالبون بالخبز والحرية، فعاشت تونس خضراء حرة.. وليخرج نظام بن على بره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة