-- أحمد إبراهيم

تونس.. خضراءٌ.. فلا تحرقوا الأخضر واليابس

الجمعة، 21 يناير 2011 03:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السُّحب فى السماء تدفع بعضها بعضاً كالأمواج فى البحر تُصارع بعضها، كذلك الحرائق فى الغابات تحرق بعضها بعضاً إذا اندلعت ولو بثقاب كبريت، لا أحد يستطيع التنبؤ بنيران الغابات أين ستنتهى إن انتهت، وبشعلاتها المنطفئة إن انطفأت.

تونس الخضراء رغم اخضرارها الداكن اخترقها ذلك الثقاب، ثقابٌ أشعل به نفسه شابٌ تونسى فى سيدى بوزيد بالوسط الغربى الفقير من البلاد، من يومه وإلى اليوم تونس بخسائر بشرية 78 قتيلاً و94 جريحاً، ومادية ثلاثة مليارات دينار، وضعٌ مقلق.

دخلنا الأسبوع الثالث وقلب العاصمة شارع بورقيبة مازال تشغله المظاهرات، وصفاقس ثانى أكبر المدن تلوثه الحرائق السوداء.. فإلى أين يا تونس الخضراء؟ هل نقول "إنه ربيع تونس وللربيع خريفه؟ وأن الربيع لن تشعر بلذته إن لم تتذوق شيئاً من طعم الخريف!".. إذن نرجوه هذا الخريف أن يرحل دون تخريف.. و"التخريف" كلمةٌ (عن إذنك) أشحنها لأرادفها هنا بكلمة التجريف.. "والتجريف" كلمةٌ قد لا يفهمها عامة الناس إلا الصياد الضليع فى مهنة الصيد البحرى بالجرف، وهو القضاء على الثروة السمكية جرفاً للأخضر واليابس، يبلع به صياد اليوم كل ما فى البحر، فلا يترك لجيل الغد وبعد الغد فى البحر غير الصخور والقشور! ومن المؤسف أن هذا النوع من الصيد الطاغى كان مسموحاً به فى بحر تونس الغنية بالثروات يوماً وبات فقيراً لفرخة سمك بعد أن مسحتها السفن الأجنبية الجارفة بحفنة من الدولارات، وما أحلم به اليوم أن لا ينقل الشعب التونسى فى غفلة هذا الأسلوب الجارف من البحر إلى البر ليصبح الجرف بعد أن كان مسموحاً على الحيتان والهوامير، أيضاً مشروعاً فى الشوارع على أبناء تونس وبناتها! ولكى يتعرف القارئ الكريم على ما فى بلاده من خير أضيف هنا: "أن هذا النوع من الصيد غير مسموح به فى بلادى، لأنها تعتبر كنوز البحر ثروة الآباء والأجداد يجب أن تصل إلى الأبناء والأحفاد.. فلا صيد بالجرف فى مياهنا، ولا تراخيص للسفن الأجنبية الجارفة فيها، ولا حتى السماح لها المرور عابرة بترانزيت، لأنها لُدغت من خديعة تلك السفن التى تمرّها مستأذنة، وهى تجرف البحر جرفاً تسرقها المياه الإقليمية ملايين الدولارات من خيرات البحر، فبالتالى لا صيد بالجرف فى مياه الخليج، ولا صيد فى موسم التكاثر والتناسل للأحياء البحرية، ثم ولا صيد إلا بالأدوات التقليدية المسموحة بها من شباك "القراقير" ذات الفتحات الكبيرة الواسعة التى تسمح للأسماك الصغيرة مغادرة شبكة الصياد للاحتفال بمعايشة البحر إلى العام القادم، لجأت إلى ذكر البحر هروباً من خنادق البر وخناقها.. والله لن أبالغ لو قلت إنى كتبت اليوم عن تونس على رائحة الدم والدخان، من 225 قتلى تفجيرات تكريت العراق، والحرائق المتصاعدة من تونس العامرة.

اسمحوا لى بدعوة مصالحة بين البحر والبر، مصالحةٌ قد تولّد منطقة برية بحرية متحدة لا انقسام فيها للعرب ولا خلافات، لا حروب فيها ولا استعباد، منطقةٌ كلها عدالة لا مساحة فيها للبطش والإرهاب.. فيها جيوش تحمى الأرض وتحرس الأمة من عدو حقيقى ولا تتوعد الجيران والأحزاب من عدو وهمى، خضراء تونس لا تعنى تونس لوحدها، هى جزء من ذلك الكل الذى أعطانا الله فيه خيراً كثيراً موزعاً على امتداد جغرافيا الوطن، كلما زاد الخير فى بعضه ورقى إلى الكمال (والكمال لله) واقتربنا من مرحلة الاكتفاء الذاتى دخلنا فى حروب غبية ورائها مؤامرات معتوهة من خارج الوطن، ثم تنتهى على صراعات تافهة داخل الوطن! أحسُّ وقلب المؤمن إحساسه، إن التوانسة لن يحرقوا بعضهم بعضها بل ينصرون، كما فعله يوما الجزائريون والمغاربة الليبيون والموريتانيون، وهذا هو المأمول من كل العرب وكل المسلمين، فلن نسمع بعده وكالات الأنباء تنشر خبرا عن عرب اتفقوا يوما واختلفوا فى اليوم الثاني، تعانقوا ثم تصارعوا، دخلوا برلماناتهم بباقة الزهور ولهم مليشيات متناحرة فى الشوارع بالمدفع والرشاش! إن شعوب المغرب العربى على مدى التاريخ كانت من الشعوب التى تؤمن بالجيرة الطيبة، تستقبل الضيف والغريب برحابة صدر، وأنا شخصياً التقيت وتفاجأت بأسماء من قبائل إماراتية وخليجية فى أرياف الجزائر وإحياء تونس ومدن ليبيا.. يقظةُ تونس لن تتحول إلى خلافات داخلية تشغلها المليشيات المتناحرة بمعسكرات داخلية.

كل الخلافات العربية لم تتعد عن خلاف واحد مع عدو واحد انتزع الأرض أصحابها الشرعيين وشردهم غرباء بلا وطن منذ ستين سنة.. وبقية الخلافات كلها مفتعلة وراءها حسدٌ أحمق وغيرةٌ حمقاء! الأراضى الصفراء الوعرة تحسد الخضراء الخصبة، والحقول النفطية الغنية تحسدها الفقيرة الجافة، وكلٌّ يقول "ما ذنبى هكذا خلقنى ربى"! من يدرى تونس الغد إن ولدت بطموحاتها قد يلد منها (مترو المغرب العربى الكبير) تشبك السوق الأفريقية المشتركة ببعضها أسرع من تلك التى اشتهر بالأوروبية المشتركة فى الاتحاد العربى، فيخرج السائح أو رجل الأعمال من مطار قرطاج الدولى إلى محطة الشبكة الموحدة للقطار التونسى الليبى الجزائرى، يتعشى فى بنغازى، يفطر فى الدار البيضاء، ثم ينزل فى نواكشوط ليتناول غداءه الدسم ويخرج إلى الصيد البرّى فى جبال موريتانيا.

أحس أن الشعب التونسى أمام يوم جميل إن لم يقاتلوا بعضهم، ولها عبرةٌ من الصومال والعراق واليمن وأفغانستان، لا يزال فيها الأقوياء لا يزال يتصارعون على كعكعة كيف يتقاسموها داخل البرلمان، وفى الخارج مواطنوها على موائد فاضية تنتظر المخلفات! لا أعتقد أن تونس نامت كى تفيق، وأعتقد أن تونس يقظة بشعب يقظ لا يسمح بتدمير بُناها التحتية المحسودة عليها، وأكيد أن تونس ستسارع إلى إحلال دخان الحرائق بلوحات سلام شامل، وتنفق المزيد على المصانع والمدارس والمستشفيات والمطارات والمتروات.. من يدرى الصفارة الأولى لانطلاقة قطار المغرب الكبير قد نسمعها من تونس الخضراء؟

كاتب إماراتى





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة