يبدو أن الإجابة كانت واضحة وصادمة على ما يمكن للشعوب أن تفعله إذا أرادت الحياة، فما قام به الشعب التونسى يحمل دلالات كثيرة، فلا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن الأحداث الأخيرة فى تونس والتى اختتمت بثورتها الشعبية، قد كان بمثابة زلزال أصاب الوطن العربى كله، على مستوى الأنظمة والشعوب على حد سواء، فعلى مستوى الحكام، فإن تلك الثورة قد أصابتهم بحالة من الرعب والارتباك، ربما يتظاهرون بعدم وجودها، ويحاولون التقليل من هول ما حدث، من خلال تصريحات بعض رموزها، وتأكيدهم أن ما حدث فى تونس لا يحمل دلالات على قيامه فى غيرها من البلدان العربية، وإن لم يطرحوا فى الوقت عينه حوائط الصد التى ستمنع انتقال العدوى الثورية، فحالة رعب وارتباك تلك الأنظمة ورموزها حقيقة قائمة، خاصة أن تلك الثورة قد قامت فى أحد أشهر معاقل الديكتاتورية العربية، حيث كان النظام يحكم قبضته على مجرى الأمور، بما لا يدع المجال لمتفائل أن يطمح فى حدوث أية خطوة للأمام، مما دفع الكثيرين– إن لم يكن الكل– إلى اعتبار ما حدث كان فى عداد المستحيلات، حيث إنه تم دون مقدمات ظاهرة، لكنه انفجر كالبركان، فمقومات الانفجار وإن لم تكن بادية للعيان، إلا أنها كانت قائمة.
وأبرز دلائل ذلك الرعب لدى الأنظمة العربية، هو محاولتها أن تغازل شعوبها بتحقيق بعض المطالب– والمُتابع لتحركات تلك الأنظمة فى الفترة الأخيرة يلحظ ذلك- خاصة على المستوى المعيشى، والتراجع عن بعض الخطط المُعدة للفترة القادمة، والتى كان من المنتظر أن تثقل كاهل المواطن العربى، سواء فيما يتعلق بالدعم أو الأسعار، وكأننا بصدد حالة من الطبطبة السياسية من قبل الأنظمة الحاكمة تجاه شعوبها، رغبة منها فى امتصاص الصدمة بما لا يترك آثارا قاتلة، وربما تستمر حالة الطبطبة إلى أجل ليس بالقصير، وإن لم يكن أيضا بشكل دائم.
كما أن زلزال الثورة التونسية لم تتوقف آثاره على مستوى النخب الحاكمة، بل تعداه إلى ما هو أخطر وهو الشعوب العربية ذاتها، وإن كان الأثر مختلفا هذه المرة، حيث إنه جاء فى صالح من وقعت عليهم آثاره، فلقد ساهمت الثورة التونسية فى إيقاظ الشعوب العربية من سباتها الطويل، وقامت بإزالة كثير من الأفكار الراسخة فى الذهنية العربية، حول قوة أنظمتها الحاكمة، واستحالة التغيير، على الأقل فى ظل الظروف الراهنة، كما يروج كثيرًا رجال السلطة ومفكروها؛ من أجل قطع الطريق على توجيه تلك الشعوب لطاقاتها نحو تحقيق التغيير، وزرع روح السلبية واليأس فى نفوسهم، إلا أن ما حدث قد ساهم – ربما بشكل كبير – فى إزالة تلك الأفكار من نفوس الشعوب العربية، وإن كان ذلك لا يعنى بالضرورة تكرار ما حدث فى تونس، لكن لا نستطيع أيضا أن نقول إن الوضع سيعود إلى ما كان عليه قبل الثورة التونسية، فتلك الثورة كانت بمثابة عودة الروح لتلك الشعوب بما بثته من أمل فى نفوسها، وتعريف لتلك الشعوب بما يمكنه فعله إن أرادت حياة كريمة، وإن اختلفت آليات التنفيذ من شعب لآخر، فإن الثورة التونسية قامت بالخطوة الأولى فى طريق التحقيق الفعلى لما ترمى إليه كل الشعوب العربية.
إلا أن التخوف الآن هو من نجاح تلك الأنظمة من خلال حالة الطبطبة الحالية، فى إثناء الشعوب– بتزييف الحقائق كالعادة– عن أحلامها الكبرى فى الحرية والعدالة والمساواة، خاصة أن آليات التهدئة التى تتخذها الأنظمة تدور فى معظمها حول النواحى الاقتصادية والمعيشية، والتى وإن كانت ذات أهمية كبيرة، إلا أن استمرارها غير مضمون دون وجود آليات موازية على الصعيد السياسى، بما يضمن استمرار تلك الحالة، وعدم اعتبارها مرحلة عابرة تنتهى بانتهاء حالة الاحتقان الحالية.
كما أنه يبدو أن تلك الأنظمة فى حالة حرج شديد مما تقدمه لشعوبها من بعض التنازلات المبدئية؛ لأن تلك التنازلات– مهما كانت درجة ضآلتها– تحمل دلالتين فى آن واحد، دلالة ضعف وخوف تلك الأنظمة من هبَّات شعوبها، وكذلك تحمل دلالة أخرى وهى قوة تلك الشعوب التى راهنت أنظمتها الحاكمة على موتها وليس فقد على ضعفها وخنوعها، وربما تشهد الفترة القادمة ازدياد حالة المداعبة من قبل تلك الأنظمة لشعوبها، إلا أنه مما يمنع تلك الأنظمة من المصارحة بها الآن، هو ما ذكرناه من كونها تحمل دلالات الضعف فى مواجهة قوة الشعوب، مما قد ينتج عنه آثار عكسية تتمثل فى تمادى تلك الشعوب فى مطالبها، التى ربما لا تقل عن مطالب الثورة التونسية فى إزاحة تلك الأنظمة تماما، وليس فقط انتظار المداعبة، والتى رفضها الشعب التونسى بعد خطاب رئيسه المخلوع.
وإذا كانت الشعوب العربية فى حالة نشوة الآن بقوتها وإمكاناتها، إلا أن تلك الحالة من الوارد خفوتها، إن لم يتم دعمها بتأكيد الوعى بتلك القوة، فليست القوة هو أساس التغيير، ولكن الوعى بتلك القوة هو الذى يشجع على التحرك نحو التغيير، فالشعوب لم تكن ضعيفة فى مواجهة حكامها ثم قويت، لكن الجديد هو الوعى بتلك القوة، فيجب التأكيد على ذلك الوعى فى الفترة القادمة ومحاولة استثماره دون تأجيل أو إرجاء، ومن هنا فعلى المثقفين والناشطين والواعين من أبناء الأمة العربية، أن يعمقوا تلك الحالة فى نفوس الشعوب؛ من أجل الاستفادة إلى أقصى درجة من تلك الثورة، والتى إن استمر نجاحها فى ترسيخ وعى الشعوب العربية بقوتها وفعاليتها، فإنها تتعدى نطاق كونها ثورة تونسية إلى كونها ثورة عربية حقيقية تحقق للشعب ما يريده لا ما يريده جلادوه.
محمد كامل عجلان يكتب: إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. ماذا يفعل؟!!
الخميس، 20 يناير 2011 11:32 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة