محمد الجندى يكتب: يتحرق المواطن

إذا كان غريبا على مجتمعنا المصرى أن يقوم مواطن بإشعال النار فى نفسه نظير ما يتعرض له من ظلم، كما فعل المواطن عبده عبد المنعم الذى أشعل النار فى نفسه أمام مجلس الشعب، فليس غريبا علينا أن يخرج تصريح من رجال الحزب الوطنى، ومجلس الشورى معلقين على تلك الحادثة، كما طالعنا فى بعض الصحف أثناء مناقشات المجلس، بأن المواطن إصابته بسيطة، حيث يعانى من حروق بنسبة 15% فى الرقبة والوجه وحالته العامة جيدة، وسيخرج من المستشفى خلال 48 ساعة، فيصرح آخر بأنه لابد أن نتعامل مع الموضوع بحجمه وحقيقته، مضيفا أنه ليس هناك أمر يدعو المجلس لأن يتوقف لمناقشته، مؤكدا أن الأمر لا يعدو كونه مشكلة لمواطن ويجب أن نتعامل معها بحجمها.

قد يستغرب الكثير من مواطنى دول العالم المتحضر من مثل تلك التصريحات والتعامل مع الموقف باستخفاف لأنهم لا يعلمون مدى الاستخفاف بأرواح الناس فى مصر، أما نحن فلا نستغرب ذلك حيث إننا كمصريين أعلم الناس بهذا الأمر.

ولكن هل يمكن أن نتساءل إذا سُمح لنا أصلا أن نتساءل، أى مصيبة أعظم من أن يشعل مواطن النار فى جسده لشعوره بظلم واقع عليه حتى لا يتعامل المسئولون مع الأمر باستخفاف؟! وهل إذا كانت نسبة حروق المواطن لا تتعدى 15% أو حتى تم إنقاذه قبل أن يشعل النار فى جسده هل هذا مبرر لتجاهل الأمر للدرجة التى يرى معها المسئولون أنه ليس هناك أمر يدعو المجلس لأن يتوقف لمناقشته؟!! وحتى لو كان الأمر مشكلة شخصية لمواطن يقوم على إثرها بإشعال النار فى جسده، أليس هذا سببا كافيا للاهتمام بالأمر ومحاولة معالجة المشاكل قبل أن يشعل ملايين المواطنين النار فى أنفسهم؟

ألم يتعظ المسئولون مما حدث فى تونس، وإن كنت أشك فى ذلك بدليل التصريحات التى تصدر تباعا بأن ما حدث فى تونس لا يمكن أن ينتقل لغيرها من الدول وعلى رأسها مصر، فمجرد خروج هذه التصريحات دليل على الأقل بالتفكير فى الأمر من قبل المسئولين.

وحتى وإن كان المواطن مريضاً نفسياً سبق علاجه بمستشفى الخانكة عدة مرات كما طالعتنا بعض الأخبار، فهل مطلوب من المواطن أن يحضر شهادة تفيد خلوه من كافة الأمراض، وأنه كان بكامل قواه العقلية حينما أقدم على فعلته ليثبت أنه قد تعرض للظلم؟! أم أن المطلوب منا أن نصفق بحرارة لأن حكومتنا جعلت حتى المرضى النفسيين يشعرون بالظلم؟!! الله أعلم