تفرد الإسلام بهذه الخاصية بين كل الأيديولوجيات والأديان؛ سماوية أو غير سماوية، فالتكليف فيه يطال الإنسان من خلال علاقته بالآخرين، ويوم القيامة لا تزر وازرة وزر أخرى.
فمثلا.. كـُلف المسلم بالصلاة خمس مرات فى اليوم والليلة، وهذه الصلاة تمثل العلاقة الوثيقة المنتظمة بين العبد وربه، وهى أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فلماذا كانت هذه الأهمية للصلاة، رغم أنها فى ظاهرها عمل فردى؟ مجرد حركات؛ ركوع وسجود وقيام مصحوبة بكلمات يرددها المصلى ثم يفرغ منها بعد قليل، لكن القرآن الكريم حرص أن يذكر فى آياته الكريمة قوله تعالى:( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، فمن يصلى الصلوات المفروضة، وبعد أن ينتهى منها يقارف الفحشاء أو يرتكب المنكر فلا صلاة له، والفحشاء والمنكر هى كل عمل مخالف لتعاليم الدين، وطبيعى أن تكون هذه الأعمال بين الفرد وبين الناس، فإن كذب يكذب على غيره، وإن غش فإنما يغش من عداه، وإن طفف فهو يطفف على من سواه من الناس، وهكذا....
كل الأعمال التى يمكن أن يقوم بها الناس هى علاقات متبادلة بين الناس، تتفاوت فى درجة العلاقة قوة وضعفا، لكنها فى النهاية بين الناس وعن الناس وإلى الناس ومن الناس، ففى الصيام؛ ورد فى الأثر أنه رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، فالمطلوب من الصائم أن يلتزم حال صيامه بالامتناع عن الأذى والسب والنميمة والمنكر بكل أشكاله وأوصافه، ولا عجب.. ألا يمتنع عن المنكر والحرام وقد أمِر فى صيامه بالامتناع عن الأكل والشرب والحلال؟
والزكاة علاقة مالية وحق معلوم لمن لا يملك فى مال من يملك، والأمانة والخيانة: (أدّ الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك)، والصدق والكذب هما تعامل بالقول والفعل بين الناس، والإنفاق والتقتير، والحج والعمرة، والبيع والشراء، والزواج والطلاق، والحل والترحال، والأمن والقضاء كلها تعاملات وعلاقات متبادلة بين الناس، وكلها ورد فيها وعنها فى دستور الأخلاق الإسلامى نصوص تنظم أبعادها وتبعاتها وشروطها.
فإذا مرت حياة الإنسان وقام فيها بما قام من أعمال وقال فيها ما قال من كلمات؛ فإنه حتما سيلاقيه الموت؛ ( ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).
خطرت على بالى هذه الكلمات بعدما سمعت أخبار المصريين الذين حاولوا الانتحار بإحراق أنفسهم، وكل له مسوغات إقدامه على هذا الفعل الشنيع، والواضح من توقيت تكرار هذه الحوادث أنها تقليد لما حدث فى تونس من إشعال لفتيل انفجار المجتمع، وما تبع هذا الانفجار من نتائج.
المهم هو ما موقف هؤلاء حين تعرض عليهم أعمالهم يوم القيامة؟ فى ظل الآية الكريمة (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)؟ قد يكون لمثل هذا الفعل تأثيره على عقول ومجتمعات غير المسلمين، الذين لا يؤمنون بما نؤمن نحن به؛ أن كل نفس بما كسبت رهينة، لأنهم يؤمنون بجماعية الحساب، على عكس الإسلام الذى رسخ فى عقول المؤمنين به عقيدة فردية الحساب، فمهما عمل الإنسان فى حياته، وكيفما كان تعامله مع غيره، فالأساس فى الحساب هو الفردية، فكل إنسان غير مسئول يوم القيامة عما فعله غيره، حتى وإن كان فعل فعلته تلك من أجل الآخرين، كما يدعى هؤلاء المنتحرون.
إنها حالة من اليأس والعمى الأخلاقى أصابت مجتمعات العرب خاصة ومجتمعات المسلمين عامة وأساس الإصابة بها هو البعد عن صحيح الدين وكلمة أخيرة أوجهها لهؤلاء: كلنا سيلاقى ربه (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).
