اليوم نحن أمام حدث سيكون مادة خصبة للحديث عنه لشهور بل لسنوات فى المستقبل القريب، وسيكون له تداعياته وتغييراته على الأرض بعد الانتفاضة التى انطلقت شرارتها عندما أطلق البوعزيزى شرارة عود الثقاب معلناً تمرده على ما وصل إليه وضعه ووضع الكثير أمثاله نتيجة القهر والظلم وضيق ذات اليد، لم ندرك منذ اللحظة الأولى أن محمد البوعزيزى الذى أحرق نفسه بسيدى بوزيد وتسبب باندلاع موجة احتجاجات فى تونس، سيكون سبب نقطة التحول هذه وأن صفعه والبصق عليه من إحدى الشرطيات سيكون بمثابة تغيير نظام كهذا النظام الذى يحكم قبضته جيدا على مقاليد الأمور.
البصق والصفع أعزكم الله متداول كثيرًا فى معظم بلادنا من قبل بعض الأفراد الذين يستغلون سلطاتهم ونفوذهم إلى حد ما، لكننا الآن أصبحنا ندرك قيمة تلك الأفعال المشينة فى حدوث صحوة المجتمعات المكبوتة فى ظل توحش الحياة وغلاء أسعار السلع الأساسية التى تمكن الإنسان من أبجديات العيش على وجه البسيطة.
وعندما نقلب فى أسباب التغيير نجد أن هناك أسبابًا جديدة دخلت فى إرهاصات التغيير لابد أن تكون فى الحسبان من الآن فصاعدا، هذه المتغيرات العالمية هى أحد عوامل التحول..
فالرأسمالية المتوحشة التى أدخلت اقتصادات مخترعيها فى أقصى درجات الركود والكساد وأزَمت تعاملاتهم إلى حد الانهيار لكثير من مصارفهم وتعاملاتهم التجارية والتى يسرت الإقراض، ورفعت الفوائد وسهلت احتكار الأسواق، ووحشت الاقتصادات الكبرى فى وجهة اقتصادات الدول الصغرى، والتى لم تجد لها مخرجًا حتى الآن فى التحكم فى عمليات رفع الأسعار وزيادة عمليات الاحتكار لاعتماد اقتصادات هذه الدول الصغرى على الوضع الاقتصادى لتلك الكيانات الكبرى، فزادت معدلات التضخم فى دولنا وزادت معدلات البطالة وألهبت المواد الغذائية التى نستورد معظمها جيوب الناس فبدأ هذا الحراك بسبب هذا الفكر الاقتصادى الأجوف.
هل لابد لأنظمتنا الآن أن تعى مقولة "عض قلبى ولا تعض رغيفى" وأن تبسط لشعوبها سبل العيش الكريم حتى وإن كان بالرجوع للنظام الإسلامى لإدارة اقتصاداتها وإدارة مشروعات تنموية لزيادة الاعتماد على الداخل وإعادة النظر فى بعض القوانين التى تأخر عمليات التنمية الاقتصادية والفكرية والاجتماعية.
وأخيراً: سؤال للشعوب المطحونة المكبوتة، هل يتم استغلال نقطة التحول التونسية للضغط على الأنظمة لإطلاق المشروعات التنموية برءوس الأموال المحلية وإطلاق العنان لصياغة قوانين الحرية واندثار قوانين الطوارئ والضرائب والجباية وكبت الحريات.
