توسعت الصحف العالمية فى رصد تأثير ثورة الياسمين التونسية على الأوضاع الداخلية للبلاد العربية ومن بينها مصر، مشيرة إلى تزايد الاحتجاجات الاجتماعية فى البلاد العربية، بعد نجاح الثورة التونسية.
ورصدت مجلة فورين بوليسى حوادث الانتحار حرقا فى تونس والجزائر ومصر بسبب الظروف الاجتماعية، وقالت إن العالم العربى يشهد حاليا اتجاها جديدا مروعا يسهل عليه التضحية بالنفس. مشيرة إلى أن هناك شيئا مريبا يحرك هذه المحاولات الانتحارية.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى تصريحات وزير الخارجية أحمد أبو الغيط التى أعلن فيها رفضه أى تكهنات تشير إلى انتشار احتجاجات فى مصر على غرار تلك التى شهدتها تونس وقال: "أولئك الذين يروجون الأوهام ويحاولون تفجير الوضع لن يحققوا أهدافهم وسيضرون بأنفسهم فقط".
وأبرزت مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية تظاهر عدد من النشطاء المصريين أمام السفارة التونسية فى القاهرة يوم الجمعة الماضى للتعبير عن تضامنهم مع أشقائهم فى تونس، وأضافت رغم التواجد الأمنى الكثيف حول هذه المظاهرة، إلا أن احتشادهم قد أحيا آمال النشطاء فى أن تشهد المنطقة "ربيعاً عربياً" يمكن أن يتم من خلاله تكرار للسيناريو التونسى.
ونقلت المجلة عن أمير صلاح، الباحث بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قوله إن ما حدث فى تونس يعد نموذجاً، ويوضح أن بإمكاننا أن نفعل ذلك. وتشير "ذا أتلانتك" إلى أن أغلب النشطاء الليبراليين فى مصر ينتمون إلى جيل فيس بوك وتويتر، وهو ما يجعلهم متفائلين بأن الحركات المؤيدة للديمقراطية يمكن أن تنتشر بشكل فيروسى حتى لو كانت فى بيئة سياسية غير ليبرالية كتلك الموجودة فى الشرق الأوسط. وبالحديث عن المظاهرات الأخيرة فى الأردن والجزائر، فإنهم يصرون على أن ثورة الياسمين التونسية ستكون معدية فقط إذا وفرت لها الشعوب الزخم اللازم
وتحدثت المجلة عن الصعوبات الهائلة التى يواجهها النشطاء المصريين والتى تتمثل بشكل خاص فى النظام الديكتاتورى الراسخ، غير أنها نقلت عن أحد الناشطين ويدعى محمد الجوهرى قوله إن النظام يواجه بالفعل موقف غير مستقر بسبب الاعتداء على كنيسة القديسين بالإسكندرية، ولذلك فإنه ليس فى حاجة إلى ارتكاب أى حماقة تزيد من الغضب الموجود بالأساس.
ورأت الصحيفة إن النظام يعمل حالياً على رسم صورة مستقرة لمصر، ودللت على ذلك بظهور رجال الحزب الحاكم فى القنوات الفضائية المصرية وحديثهم الذى أرادوا أن يقولوا من خلاله إن الأوضاع فى مصر لا تستدعى وجود ثورة، كما أن التلفزيون المصرى ركز على تغطية الفوضى فى تونس وعرض صور السرقة وعمليات التخريب.. وكانت رسالته واضحة وهى أن الثورات تخلق حالة من الفوضى.
وفى نفس الوقت أبقى النظام على تهميش المعارضين الليبراليين، فى إشارة إلى تضييق الأمن الخناق على مظاهرة شباب 6 إبريل وحركة كفاية أمام السفارة التونسية يوم السبت الماضى.
ومن خلال اللقاءات التى أجرتها المجلة مع عدد من المصريين، خلصت إلى القول بأنهم رغم إعجابهم بالثورة التونسية، إلا أن حدوث انتفاضة مناهضة لنظام استبدادى فى بلد آخر ليست كافية للقيام بعمل داخل مصر. وهم يرون أنه إذا حدثت ثورة، فإنها ستكون مفاجئة وغير متوقعة وستكون "مصرية خالصة".
ومن جانبها قالت صحيفة "الجارديان" إن الفرحة التى سادت مصر لما جرى فى تونس قد قابلتها أيضا حالة من الخوف، حيث اعتبرت الانتفاضة التونسية فرصة نادرة لكسر أغلال الحكم الاستبدادى الذى يمكن أن يدفع بالبلاد إلى المجهول.
وتحدثت الصحيفة عن تراجع البورصة المصرية مع اندلاع المظاهرات فى تونس، وأشارت إلى انتشار قوات الأمن بأعداد أكبر فى جميع أنحاء القاهرة، حيث بدأ شباب العاصمة يتحدث بتفاؤل عن ثورة شعبية ثانية فى بلاد المغرب العربى.
كما لفتت الصحيفة إلى النشاط الذى شهدته مواقع التواصل الاجتماعى على الانترنت كجهة حاشدة للأصوات ويتم إرسال الرسائل من خلالها أيضا، وشملت الموضوعات التى طُرحت للنقاش خلالها المخاطر التى يواجهها الطغاة العرب الذين يفقدون تواصلهم مع شعوبهم، وقدرة المظاهرات على فرض التغيير.
واوردت الجارديان تصريحات للسفيرعبد الله الأشعل، أستاذ القانون الدولى والعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية التى أشار فيها إلى وجود اختلاف بين الآمال والموقف الفعلى، وأوضح أن التغيير الجذرى ضرورياً فى مصر ولكن ليس بالطريقة التى حدثت فى تونس.
وعن تأثير ثورة الياسمين التونسية على ليبيا، تقول الصحيفة إنه على الرغم من وجود مشكلة بطالة فى الجماهيرية، إلا أن ثروتها النفطية تمكنها من امتصاص الغضب الشعبى، كما أن قوات الشرطة والجيش موالية للرئيس معمر القذافى، وبالتالى ستنهى بقوة أى احتجاجات تمثل تهديدياً لحكمه.
من ناحية أخرى استبعد عدد من المراقبين والمحللين تكرار ثورة الياسمين التونسية فى مصر، ونفى الدكتور عبدالمنعم سعيد - رئيس مجلس إدارة الأهرام أنه لا يوجد قلق لدى صناع القرار فى مصر مما حدث فى تونس، لإيمانهم بأن الحالة المصرية مختلفة عن الحالة التونسية، فثقافة 10 ملايين تختلف عن ثقافة 80 مليونا، ووسائل التعبير فى تونس تكاد تكون منعدمة، وفى مصر توجد حرية فى الرأى والتعبير والقنوات الفضائية ومنظمات وجمعيات حقوق الإنسان، كما أن هناك فروقا من الناحية الجغرافية.
وقال عبد المنعم فى برنامج «العاشرة مساء» الذى تقدمه الإعلامية منى الشاذلى مساء الأحد إن الفارق فى القهر السياسى الموجود فى تونس يختلف عنه فى مصر، ودرجة النظرة العلمانية فى تونس تختلف عن مصر أيضا، كما أن الشعب المصرى لديه مسألة التغيير محددة بهدف قوى، وهو إستراتيجية واعية، وقد بدأت مسألة التغيير فى مصر بارتباطها بالاستعمار الذى أثر فيها بشكل طبيعى.
وعن الفرق بين غلاء الأسعار فى يناير 1977 وعام 2011، قال سعيد إن غلاء الأسعار ارتفع حاليا أكثر، ورغم ذلك لم يخرج المواطنون للشارع لأن الغلاء فى 77 19كان مفاجئا، ولكنه حاليا جاء بشكل ممهد له، مضيفا أن الغلاء حاليا حالة ضرورية لأنه ارتبط بالوضع الاقتصادى، لعدم وجود ما يقيد الأسعار، موضحا أن «الشعوب بتتعلم»، كما أن المسألة يوجد بها جزء من التجربة، ومن المحتمل أن تحدث أخطاء.
وناشد عبدالمنعم الأحزاب المصرية إعادة بناء نفسها من الآن، تمهيدا للفترات القادمة، لأنه لابد أن تكون هناك معارضة من خارج الحزب الوطنى، وأن يكون القضاء هو معيار الفصل فى أى خلاف بينهما.
وقال سعيد إن الفيصل فيما يكتب أو ينشر فى هذا الإطار، أن يكون صحيحاً، وألا ينزل الإعلام إلى مستوى الإشاعة أو النميمة السياسية، مبدياً استياءه من تعليق وزير الخارجية أحمد أبو الغيط الذى ذكر فيه أن انتقال الثورة التونسية إلى مصر «كلام فارغ»، ووصفه بـ«التعبير غير الموفق».
وبالنسبة لموقف مصر وعدم إصدارها أى بيانا أثناء الثورة، أشار عبد المنعم إلى أن مصر دولة حريصة، وبلد محافظ، وأنها ليست سريعة فى ردود الأفعال، لافتا إلى أن أسباب الربط بين مصر وتونس هى وجود أوجه تشابه، لكونهما دولتين ناميتين، وأنهما جزء من ثقافة معينة.
وعن قراءته للثورة التونسية قال عبد المنعم إنه يراها خلال مشهدين، الأول: الهزة التى أطاحت برئيس قوى مثل زين العابدين بن على، والثانى: ماذا سيحدث بعد الثورة، وما ستتركه بعدها.
وأشار إلى أنها ليست قضية أن يكون الشعب هو الذى قام بالثورة، ولكن السؤال هو: «كيف يسير بلد فجأة بدون نظام وبدون ملامح فى الصورة الأولى للطبقة الوسطى»، وهل ستتم الاستعانة ببعض ممن شاركوا فى القهر والقمع مع النظام القديم أم لا، ومن الذى سينتهز هذه الفرصة لإثبات نفسه أو تواجده، وذلك من أهل السلطة التى تريد الحصول على مقاليد الحكم، أو الطبقة الوسطى التى قامت على أكتافها الثورة، وأن بن على باستبداده، وقهره، وتحكمه فى شعبه، عمل على وصول «القدرة» التونسية إلى مرحلة الانفجار، وطبقة متوسطة جاءت على أكتاف 60 شهيدا، مع أنه قام بإصلاحات كان ينقصها الرضا الشعبى.
الصحف العالمية تتوسع فى رصد تأثير ثورة تونس على البلاد العربية
الأربعاء، 19 يناير 2011 12:01 ص
جانب من الثورة التونسية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة