لا شك أن العشوائية هى عنوان ثقافة الزحمة الرئيسى، الذى ينطوى تحته كثير من المواقف والمشاهد السائدة فى عصر الزحمة هذه الأيام.
فالمشاهد للأحداث يستطيع سرد وضع ثقافة الزحمة المسيطر على جميع نواحى الحياة، فنجد (طابور العيش) الذى يصطف فيه المتصارعون من أجل أرغفة معدودات، تجدهم يصطفون فى تربص، حتى إذا جاءت الهوجة، رأيت الذين يظنون فى أنفسهم القوة والفهلوة على رؤوس العباد، يطلون برؤوسهم داخل نافذة التوزيع، فيجد القائم على عملية التوزيع نفسه وجهاً لوجه أمامهم، ولن يجد بدا فى إعطائهم حصتهم وإلا لاقى ما لا يسره.
ينطبق هذا الوضع على طابور توزيع أسطوانات الغاز أثناء الأزمة الشتوية، وكذلك فى السينما فى أوج تألق أحد النجوم، أو صفوف توزيع التذاكر لإحدى المباريات الرياضية المهمة، وكذلك إشارات المرور المزدحمة التى يصدر عنها جميع الألوان دون تحرك الكتل الحديدية فى نهر الطريق، وتبقى ملاغاة جندى المرور والسطو عليه بنوع السيارة وقوة آلة التنبه هى سيدة الموقف، الأمر الذى يجعله غارقا فى دوامة العشوائية التى تسيطر عليه وعلى الميدان كله، وتظل العشوائية هى سيدة الموقف لطوابير الخبز وأسطوانات الغاز وغيرها، كما أن ثقافة التربص بالخصم وعدم الثقة تسيطر على المصطفين، مما يجعلهم متشبثين بأماكنهم طوال الوقت، يتحملون اختناق الغازات النافذة الخارجة عن طريق العرق الصادر من أجسادهم، كما يتحملون أيضا حرارة الشمس وعدم وجود المسافات المناسبة للكتل والأحوزة التى تنص عليها قوانين الفيزياء، ليبقى لكل شخص قبوله وخصوصيته مع الآخرين.
عندما تبحث عن الشىء المفقود لتلك الظواهر ستجده يتلخص فى شىء واحد ألا وهو (السيستم)، فلو أن هناك (سيستم) يحكم المسألة لوجدت احتراما لآدمية البشر، وتوفيرا للوقت والجهد، والفرق بين العشوائية والتخطيط أو التنظيم ضئيل جداً، فتوزيع رقم على المصطفين كما يحدث فى كل دول العالم (السيستمية) شىء سهل جدا وبسيط، وكل مواطن يحصل على رقم ينظم دخوله للمنفذ، ويستطيع من خلال الرقم تقدير الوقت المتاح أمامه، فيستثمره فى قضاء شىء آخر أو إجراء عمليه أخرى إذا كان طويلا، كذلك يستطيع توفير جهد التنافس للوصول إلى المنفذ المرغوب، علاوة على الحالة النفسية المطمئنة له ولغيره فيتم تداول الابتسامات والسلامات بداعى وبدون داع.
الدول (السيستمية) التى تراعى استثمار الوقت جيدا تقترح على العملاء قراءة كتيب معين أو استثمار الوقت فى عمل الكترونى أو حتى تدعو وتذكر الإخوة الذين يريدون الحصول على الخدمات إلى أن هناك أشياء مفيدة يمكن قضاء وقت الانتظار فيقول أحدهم لك فى أحد البروشورات المعلقة (اجعل دقائق الانتظار مليئة بالاستغفار للواحد القهار) أو يقول لك غيره (استثمر وقت الانتظار بمكالمة أحد أقاربك أو أصدقائك فقد يكون بحاجة لسماع صوتك) فهذا نوع من أنواع التوعية باستثمار الوقت والعمل النافع لما يرضى ربك وغيرك من إخوانك المواطنين، وحتى ذاتك تكون فى أعلى درجات الرضا والاطمئنان.
ثقافة الزحمة تسود لأننا الذين زاحمنا أنفسنا وتربصنا يبعضنا البعض، وزادت أزمة الثقة فيما بيننا لتغلل العشوائية وتسيد الفهلوة ونمو قانون القوة وتضاءل قوة القانون، فهل نعود؟
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة