وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تأتى هذه الاحتجاجات الكبرى من تونس الخضراء. هذا البلد العربى المسلم المتوسطى الذى يناطح برأس شواطئه الجميلة شواطئ صقلية وإيطاليا وجنوب فرنسا، والتى كانت تابعة لسلطانها يوماً، والتى وهبها الله أرضا جميلة اكتست خضرتها بحمرة دماء أبنائها الطاهرة، وكأنها اشتاقت لدماء المحبين على أعتابها.
لقد ألهمت الأحداث الأخيرة فى تونس بعنفوانها وقوتها وانتشارها كل المهمومين بقضايا الإصلاح والتغيير فى العالم العربى، وبخاصة فى مصر روحاً جديدة مبعثها هذا التشابه الكبير بين الحالة التونسية والمصرية فى نقاط عديدة أهمها:
1- تعرض الشعب التونسى على مدى عقود متواصلة لحكم بوليسى مع تغول جهاز الشرطة والأمن الداخلى، ويتندر المتابعون للشأن العربى على أن اجتماع وزراء الداخلية العرب بقيادة وزير الداخلية التونسى هو الاجتماع الوحيد الذى حافظ على دورية انعقاده.
2- تجريم العمل السياسى على القوى الحقيقية والفاعلة فى المجتمع التونسى وبخاصة الإسلامى منها، وعلى رأسها حركة النهضة بزعامة الأستاذ راشد الغنوشى مع الإبقاء على هياكل ديكورية للمعارضة يستدعيها وقت الحاجة.
3- عملية تتريك على غرار التجربة الأتاتوركية فى تركيا عبر مشروع منهجى لعلمنة الدولة وتغريبها وإبعادها عن محيطها الإسلامى بواسطة حزمة من التشريعات والقوانين تعارض ثوابت الأمة وموروثها الثقافى، ولعل أبرزها قانون الميراث والزواج والحجاب.
4- تغييب الشعب عن المشاركة السياسية فى تونس عن طريق تأميم النقابات والجمعيات الأهلية والحصار الإعلامى الشديد والتعتيم على حركات المعارضة والتزوير المستمر للانتخابات البرلمانية التى لا تفرز إلا كل من يسبح بحمد النظام.
5- اعتماد النظام التونسى بصورة كبيرة على الدعم الأمريكى والأوروبى المنافق والمتشدق بحقوق الإنسان، وهو يعلم أن النظام التونسى من أكابر مجرميها سحلا وقتلا وتعذيبا لمعارضيه، وبخاصة الإسلاميين منهم ولكنها البراجماتية الغربية التى تكيل بمكيالين وترى مصلحتها فى سحق الإسلاميين، فتغمض عين الرضا فهى عن كل شىء كليلة.
لقد تابعت على مدى سنوات وفى الأحداث الأخيرة مدى التواطؤ الغربى مع وكلائه فى المنطقة الذين ينفذون سياسته فى ذبح الشعوب وترويضهم، إرضاء للسيد الأمريكى وشاهدت صمته المريب على مدى سنوات، بل وعقود على الجرائم التى يندى لها جبين الإنسانية، بل واتخذ من أراضى وكلائه -التى هى أرضنا- مسرحا لعمليات تعذيب لسجناء سياسيين يخشى من الملاحقة لو قام بتعذيبهم على أرضه.
إن الرهان على القوى الدولية الخارجية الرسمية فى أحداث التغيير أثبت فشله فى ظل النظام العالمى الجديد الذى يريد أنظمة ذليلة خاضعة يدعمها هو فى إذلال شعوبها ويدعمها هو فى تثبيت أركان حكمها ما دامت تؤدى فروض الولاء والطاعة، أما لو أظهرت غير ذلك فهى المارقة ومحور الشر فى الانتظار للتأديب والتهذيب.
وللمتشائمين من الشعوب ودورها فى التغيير أذكرهم بنموذجين صغيرين فقط أحدهما فى أوروبا الشرقية فى رومانيا التى حكمها لعقود طويلة الطاغية شاوشيسكو بالحديد والنار، فلما قام الشعب الرومانى يطالب بحقه فإذا بأركان النظام تتهاوى فيتخلى عنه جيشه وشرطته ويقع فى قبضة الشعب، فينفذون حكم الإعدام فيه وأسرته.. وطاغية آخر ليس عنا ببعيد فى إيران أيام الشاة بهلوى أكبر حليف لأمريكا والصهاينة فى المنطقة، فلما حان وقت الرحيل لم تصمد القوى الغربية أمام قوة الشعب الجارفة فكان الهروب على أول طائرة تقله إلى الأصدقاء!!!!
لقد أوضحت الأحداث الأخيرة أن الشعوب- إن شاء الله- هى فرس الرهان فى أى تغيير قادم.. لا رهان إلا عليها.. فلها يجب أن تتوجه حركتنا.. وإليها لابد أن تصب رسالتنا.. وعليها لابد أن تعتمد خطتنا.. ومنها يجب أن تنطلق دعوتنا.. لبث الأمل فيها وإعادة الروح إلى أوصالها التى كنا نظن أنها كادت أن تتجمد من طول الرقاد، فإذا بها حية فتية وإذا بلهيب النار تحت الرماد مستعد ليضىء سماء الأوطان من جديد.
الرئيس التونسى الهربان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة