تونس الدولة العربية التى تتوسط الشريط الساحلى لشمال أفريقيا، بين أشقائها دول المغرب العربى، كان لها ومازال وجود فى التاريخ القديم، وهو ما ذكره الرحالة المغربى "حسن الوزان " فى كتابه الموسوعى "وصف أفريقيا".
لقد شاهدت الأحداث الدرامية التى ارتفع نطاقها يوم الجمعة 14/1/2011، حيث أسقط الشعب رئيس الجمهورية الذى تتالت بياناته فى استكانة ليبشر الجماهير بأن آخر يوم له فى الرئاسة فى عام 2014 وهى نهاية مدة الرئاسة، ولما ازداد الغضب الشعبى استقل طائرته إلى جدة، ومعه أفراد أسرته الطرابلسيين.
كانت القناة التونسية "نسمة" تنقل على الهواء مباشرة صيحات الشعب التونسى المغلوب على أمره ولم يشفع انتقال السلطة إلى محمد الغنوش الكاتب الأول طبقاً لأحكام الباب السادس من الدستور، واعتبر المتظاهرون أن بن على والغنوشى وجهان لعملة واحدة، ثم استقر الرأى بعد ساعات إلى تطبيق الباب السابع الذى يقضى بأن يتولى الرئاسة رئيس البرلمان.
لم يكن هناك بين الغاضبين واحداً من وجهاء المجتمع ولكنهم جميعاً رجال ونساء من المطحونين والجوعى والمرضى الذين كشفت كاميرات "نسمة" عن ما قدموه من مستندات.
كانت الغيرة تعتصر القلوب إزاء إخوة عاشوا بين الجوع والمرض، وكان من الواضح أن هذه الانتفاضة غير معد لها سلفاً، ولكن التلقائية هى الدافع إلى الجياع لأن يثوروا ويسقطوا الحاكم.
وعودة إلى الوراء مع بداية مطلع القرن العشرين، كانت المأساة الثقافية التى كانت تعيشها تونس فى ظل الاستعمار، حيث كانت المدارس التعليمية المختلفة تضم 12.5% من أبناء تونس، 87.5% من الفرنسيين حيث كان الظلم الكبير الذى وقع على هذا الشعب العربى الذى كان يبارك حالته "الباى" وهى الصفة التى تعادل عندنا الخديوى، واستطاع الاستعمار وأعوانه فى الداخل من القضاء على الهوية العربية واستبدالها بالفرنسية.
فى هذه الأثناء وتحديداً فى يوم 24/9/1909 ولد أبو القاسم الشابى، الذى قرأ تاريخ بلاده وهو فى ريعان الشباب وتبين له من هذه القراءة أن "الباى" لا يهتم بأبناء بلده بل كان اهتمامه بالمستعمر الفرنسى، وقد أرسل الباى جيشاً من أبناء تونس إلى الحدود مع الجزائر سنة 1881 وذلك لمساعدة الجيش الفرنسى فى حربه مع الجزائر، ولهذا لم يجد الفرنسيون أى دافع لتغيير نظام الحكم المحلى فى تونس، وذلك النظام الذى يقف الباى على قاعدته وقمته لها.
وفى الحرب العالمية الأولى أعد "باى" آخر من بايات تونس جيشاً قدره ستة وخمسين ألف فرد من التونسيين ليحارب فى صفوف الفرنسيين ضد الجزائريين حيث انتهت الحرب بقتل اثنى عشر ألفاً منهم، واستمر بايات تونس فى تنازلهم عن حقوق الشعب، وهى الحقوق التى لم يقدمونها فى يوم من الأيام للدخلاء، وفى مذكرات قاسم الشابى حيث يقول"أشعر أننى غريب فى هذا الوجود وأننى ما أزداد يوماً فى هذا العالم إلا وأزداد غربة بين أبناء الحياة وشعوراً بمعانى الغربة الأليمة، غربة من يطوف الأرض، ويجوب أقاصى المجهول"، ثم يأتى ليحدث قومه عن رحلاته البعيدة، فلا يجد واحدا منهم يفهم من لغة نفسه شيئاً، ثم يصرخ فى صوت منخفض ولكن ملىء بالألم (الآن أدركت أنى غريب بين أبناء بلدى. وتلك مأساة قلبى الدرامية).
مات أبو القاسم الشابى وعمره خمسة وعشرون عاماً بعد أن كتب الشعر الوطنى بدماء قلبه، وهو الذى تنبأ بأحداث اليوم فى إحدى قصائده.
إذا الشَّعْـبُ يـومـاً أرادَ الحيـاةَ فـلا بُـدَّ أنْ يَسْتَجيـبَ القـدرْ
ولا بُـدَّ للَّيْــلِ أنْ ينجلــــى ولا بُـدَّ للقيــدِ أن يَنْكَسِــرْ
واستجاب القدر، ورحل زين العابدين، الذى لم يستطع رفع المعاناة عن شعبه، ولم يستطع تعريب لغة شعبه، بل إن الفرنسية هى اللغة الأولى فى بلاد يعيش فيها المسلمون الذين تعلموا الشريعة فى جامع الزيتونة.
* الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال مصر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة