الأصوات هادرة.. تزيد.. تتزايد.. الديكتاتور فى قصره.. امرأته حاكمة قرطاج القوية معه.. التقارير تتوالى من هناك وهناك.. كل أنحاء البلاد تتظاهر.. تصرخ.. تزأر.. تود الانتقام من سنوات طال فيها الظلم.. تطالب بالحرية.. بالعدل.. وهو مرتعد.. خائف.. يسير حائرا فى الغرفة.. وامرأته الجميلة تطالبه بالردع.. فكيف ينسى أنه كان وزيرا للداخلية ويعرف هؤلاء السابلة عندما يرون العصا الغليظة أو يسمعون طلقات الرصاص.. إنهم جبناء يا عزيزى فلا تخشى شيئا.. الجيش معنا.. الشرطة تحت أيدينا.. من ماذا الخوف إذن؟ يسرع فيأمر وزير داخليته بالرد بقسوة وغلظة على هؤلاء الأوغاد حتى لو وصل الأمر إلى إطلاق الرصاص فى الصدور ليموتوا.. تنطلق الرصاصات سهلة فى الصدور.. تنزف الأجساد بالدماء على قارعة الطريق.. تتلون الطرق بالدم.. يشتد الغضب.. يتعالى أكثر إلى السماء.. ولا تراجع.. والمظاهرات تتكاثر وكأنها تتوالد.. تكبر مع أنها مخلوقه للتو.. إذن سيلقى خطابا ويبرر ما حدث فخطابه سيجعل المظاهرات تخفت.. وسيخرج المؤيدون له.. وبعد ذلك سيأتى الحساب من الجميع وسيسجن من كان السبب، سيسحله.. سيعذبه قبل أن يموت.. وخطب فى شعبه الغير عابئ به.. وعدهم بوعود فات أوانها.. مرتين.. ثلاث.. أقال الوزير.. تنصل منه ومن استعماله للرصاص الحى.. كان ضعيفا لا يعرف كيف يأتى بالكلمات ولا من أين.. والتظاهرات تتعالى والتقارير تتوافد والاتصالات من هنا وهناك تنذره وتحذره بأن لا أمل.. الشعب كله انطلق.. الشعب كله أصبح لا يهمه الطلقات التى تأتيه من الشرطة.. لابد من الجيش.. ونزل الجيش إلى الشارع وكانت مهمته صعبة فالشعب ليس عدوا له فكيف يقتله؟ فقط وقف حارسا للمصالح الحيوية.. هذا ما فعله.. ضاق الخناق على الديكتاتور وامرأته القوية والتى بدأت ذاهلة غير مصدقة للتقارير والأخبار التى تتوالى.. ولأول مرة تخاف.. لابد من الهرب.. لن يكون مصيرى مصير (إلينا) زوجة شاوشيسكو حاكم رومانيا أبدا.. لازلت فى أوج جمالى.. ولم أفعل شيئا.. لن أحاكم أمام هؤلاء الرعاع أبدًا، ولن أضرب بالرصاص.. نعم.. كنت أدير بعض المصالح لحسابى.. نعم كان أقربائى يمسكون بالمؤسسات الحيوية فى البلد فمن لى بأحد أصدق منهم لى؟!.. نعم لابد من الهرب سريعًا.. اقتنع الديكتاتور بأن الأمر قد خرج عن نطاق السيطرة.. فكر فى أى بلد سيذهب.. باريس نعم هى.. فدومًا كانت فرنسا تمتدح ما يفعل عندما جعل المرأة كالرجل حتى فى الميراث.. وطارد الإسلاميين وبعثرهم فى السجون وأنحاء القارات.. ولم يعد يضيق بإسرائيل بل كان يرحب بهم دومًا فى بلده.. نعم.. يكفى فقط أن يتحدث مع أى أحد من المسئولين الذين كانوا يأتونه ويتشدقون بحكمته وقوته، وأمان بلده فتهبط الطائرة الرئاسية وسط الحفاوة المعروفة منهم.. أو سيذهب إلى الكثير من أحبائه الذى كانوا يأتون لبلده حتى يستجموا فى أروع الأماكن فيها كرما منه وسخاءً.. أتى كبير الحرس يستعجلهم يجعلهم يسرعون.. الزوجة القوية والتى لم تعد قوية تود تجميع كل أشيائها ملابسيها الباريسية وساعاتها السويسرية والمجوهرات والتحف لكن من أين لها بالوقت وقائد الحرس يحذر من ضياع اللحظات؟.. خرجوا مهرولين إلى المطار وهم فى السيارة التى تنهب الطريق نهبا، كانت الأصوات تصب فى آذانهم كطلقات الرصاص لكن كيف تأتيهم والزجاج مغلق والسيارة سريعة؟!.. ووصلوا إلى المطار وأسرعوا إلى حيث كانت الطائرة.. أدار الطيار محركها.. سأل عن الواجهة.. أخبر بأن الواجهة هى فرنسا.. وفى الجو حادث الطيار مسئولى المطار بفرنسا، أخبروه بأن الأوامر الصادرة لهم هى عدم قبولهم على أراضيها.. أبلغ الطيار رئيس التشريفات ليخبر الرئيس الهارب ووسط الذهول والخوف أمرهم بأن تكون الواجهة إلى مالطة.. ورفضت مالطا.. أصبحت السماء سجنا لأول مره وليست الأرض!.. إلى أن قبلته دولة عربية.. وأعلن النبأ فصرخت الجموع فرحة وتعالت أبيات أبى القاسم الشابى إلى الآفاق.. لينجلى الليل وينكسر القيد.. ولتحيا تونس.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة