جاء حديث وزير المالية الدكتور بطرس غالى أمام لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب الاثنين الماضى، كارثيًا فى مجمله، ومؤشرا على التوسع فى سياسة تخلى الدولة عن دورها فى حماية محدودى الدخل والفقراء من الغلاء الذى يحيط بالناس ليلا ونهارا، وفى مجمل حياتهم، ولاشك أنه نتاج سياسات الحكومة الذى يمثل السيد الوزير أحد أعمدتها منذ ما يقرب من ربع قرن، سواء عندما كان وزيرا فى مواقع مختلفة أو فى مواقع استشارية بمجلس الوزراء.
كلام الوزير واضح ولا لبس فيه، ويعنى "بالفم المليان" "انسوا الدعم" وبدهاء دخل السيد الوزير لفكرة إلغاء الدعم من باب الطاقة وخص منها "المنتجات البترولية" من بنزين ومشتقات أخرى، ويبدو أن الوزير يريد أن يحصل على صك الموافقة من مجلس الشعب نفسه، ليظهر أنه برىء من دم الموافقين على الغاء الدعم، وان كان أحد المخططين الرئيسيين له.
ونسى السيد الوزير أنه فى الوقت الذى يتولى مسئولية واحدة من أهم الوزارات المتحكمة فى حياة البشر، أن سيادته عضو فى المجلس، والمنوط به الدفاع عن حقوق الشعب لا امتصاصها، لصالح الأغنياء، وهذا أسوأ ما فى مجلس الشعب فى بلادنا، جمع عدد من الأعضاء بين مناصبهم الوزارية وعضوية مجلس الشعب، لا أعرف لماذا؟ ربما الحصانة من أية قضايا، تتعلق ببيع مصر بأبخس الأسعار.
نعود لكلام السيد غالى، والذى يبدو أنه بداية لسلسة من الاجراءات التى تعتزم الحكومة تنفيذها، لترشيد الإنفاق، ولكن على طريقة "خذ من الفقراء وابعد عن الأغنياء"، وأجزم أنه فى حالة الموافقة على الغاء الدعم عن المنتجات البترولية، سيليها الغاء الدعم عن باقى أنواع الطاقة، من كهرباء وغاز، لندخل فى سلسلة ما تبقى من "بواقى الدعم" والذى تآكل بفعل سياسات حكومات الحزب الحاكم، بغض النظر عن الأرقام التى يتم تقديمها بأن حجم الدعم قد ارتفع من عام الى آخر، متجاهلين معدلات عدد السكان، والبطالة، وارتفاع الأسعار وغيرها.
وحديث وزير المالية أمام لجنة الخطة والموازنة والتى يرأسها "رجل أعمال!!" يحمل فى طياته سيلا من المخططات وليس الخطط، للحديث عن إلغاء مختلف أنواع الدعم، وحتما يدرك السيد الوزير أن المنتجات البترولية بكل أنواعها تدخل فى كل المجالات، وهى مكون رئيسى فى الصناعة، وفى قطاعات مثل الشحن والنقل، وهو ما يعنى أن أى زيادة فى أسعارها سيترتب عليها موجات من الغلاء، وارتفاع الأسعار.
ووضع وزير المالية رقم الـ 103 مليارات جنيه والمخصصة ضمن بنود الموزانة للدعم فى مواجهة أعضاء من مجلس الشعب، وطرح السؤال بطريقة جماعية "احنا عايزين نكون متمكنين من الموازنة، علشان هيجى اليوم ونناقش هل الدعم سيصل لمستحقيه وكيف نرشد الدعم؟.
وبصورة مثيرة يضع الوزير مزيدا من الأرقام الجامدة حول عدد السيارات، ومتسخدميها، متسائلا كيف ندعم 16 مليون "مواطن مصري" من خلال توفير المنتجات البترولية "البنزين" لأربعة ملايين سيارة، على حساب 80 مليونا آخرين، السؤال برىء! فى مضمونه ولكنه فارغ فى معناه.
ولكن الوزير يتجاهل من هم شرائح مستخدمى هذه السيارات، وموديلاتها وطرازاتها، وتجاهل أيضا مستويات دخول المستخدمين، ودور النقل الخاص فى التنمية، وهل تستوى السيارة التى يركبها سيادته، والتى حتما تستخدم بنزينا وسائقا مدفوعها من دم الشعب، وسيارات من حوله ورئيس اللجنة التى يتحدث أمامها، ، مثل تلك السيارة المستعملة التى اشتراها فلان، أو تلك السيارة المتوسطة الحال التى اشتراها "علان" بأقساط، وفوائد ورسوم فرضتها وزارة المالية التى يقف السيد الوزير على رأسها، هل وضح الوزير ذلك؟!
كلام الدكتور غالى كارثى فى مضمونة، ويحتاج الى وقفه للتصدى لسياسات نهش عظام الشعب، وليدرك الجميع بأن وعود السيد "الوزير النائب" خلال حملات حزبه فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة بتخفيف الأعباء عن المواطنين!، ذهبت مع الريح، قبل أن يجف بعد أحبار أقلام تسويد أوراق الاقتراع والصناديق فى انتخابات المجلس الموقر الأخيرة.
ويبقى أن نؤكد على أن من ينتظر من هذه الحكومة خيرا حتما هو واهم، وكأنه ينتظر "جودو" فى مسرحية الكاتب المسرحى الأيرلندى الشهير ورائد المسرح الطليعى "صامويل بيكيت " "فى انتظار جودو" الذى لم ولن يأتى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة