أكرم القصاص

خطبة الديكتاتور الأخيرة

الأحد، 16 يناير 2011 03:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السهولة التى سقط بها نظام زين العابدين بن على فى تونس بدت مفاجأة للبعض، وإن لم تكن بعيداً عن دروس التاريخ، فالأنظمة المتسلطة الأمنية تبدو بالفعل مثل سلحفاة تتحصن داخل درع شديد الصلابة، لكنها تموت إذا انقلبت على ظهرها.

ويتصور الرئيس الطاغية أن الأمور كلها تحت السيطرة، لأنه لا ينظر خارج قصره أو سيارته، تلك العزلة التى تمنعه من رؤية ما يدور فى الخارج، هو لا يفهم السبب وراء صمت الأغلبية لا يعرف كيف تغلى المراجل من الكبت والظلم، وكيف ينمو الغضب ليتحول إلى غليان.

لم يكن سقوط النظام الأمنى وحده هو المفاجأة لكن أيضا فى حالة الاستجداء التى بدا عليها بن على وهو يخطب خطبته الأخيرة، والتى تختلف تماما عن خطاباته السابقة. لقد بدا ضعيفا وهشا، يبحث عن مخرج حتى لو ضحى بكل هيبته: "لقد فهمتكم" قال بن على للشعب التونسى الغاضب على الأبواب، ليقدم مفارقة أقرب للكوميديا فهل يحتاج الديكتاتور إلى ثلاثة وعشرين عاما ليفهم شعبه. وهل يصدقه أحد وهو يقول انه ظل مخدوعا ومضحوكا عليه، بينما كل شىء يتحرك بإرادته.

لقد ضحى بن على بكل من حوله وأقال وزير داخليته بحجة أنه تجاوز فى استخدام القوة ضد الشعب، ثم أقال متحدثه الرسمى لأنه كان كذابا، ثم أقال حكومته لأنها كانت فاشلة، لكنه بالطبع لم يكن يستطيع إقالة حكوماته السابقة، كان بن على مثل أى ديكتاتور مستعد للتضحيبة بكل من حوله وربما بالشعب من أجل السلطة المطلقة التى كان يحكم بها ورفض الشعب الاعتذار أو الاقتناع بأن الرئيس كان مخدوعا.

انطوت صفحة بن على فهل هى بالفعل انطوت وذهبت واختفت، الواقع يقول إنه لا يزال النظام قائما ربما كان التونسيون يريدون نظاما جديدا يقوم على العدالة والمساواة، وأن تكون ثمار الإصلاح الاقتصادى للشعب ومن يعملون وليس لقلة تستأثر بالثروة والسلطة. لقد صدق بن على أن الحزب الحاكم يفوز فى الانتخابات بالأغلبية والتخطيط الذاتى، صدق أن الشعب يهتف له، دون أن يعرف أن الهاتفون إنما هم نفس أجهزة الأمن التى تقتل المعترضين. صدق أنه يمكن أن يضحك على الشعب، بينما كان يضحك ضحكته الأخيرة.

لقد كان بن على حتى اللحظات الأخيرة يتحدث عن إنجازاته وكأنه وحده الذى أقام الإنجازات وأنه الوحيد الذى يفهم ويعرف، وبدا فى اعتذاراته يعتبر كل ما وقع من طغيان وقمع ومنع وحصار إنما هى أخطاء بسيطة تستدعى الاعتذار، بينما كانت القضية أن النظام كله يقوم على التسلط والاستبعاد.

درس بن على أنه لا يجب على الديكتاتور أن يصدق الهدوء من حوله، لأن تحت القشرة الهادئة للأرض، تولد البراكين والزلازل، وهذا الشعب الذى يبدو مستكينا يمكن أن ينفجر. لقد كانت خطبة بن على الأخيرة، كوميدية، بينما يبدأ مأساته. لأنه احتمى فى الأمن فلم يجد بعد السقوط حائطا واحدا يحميه. فهل يتعلم الطغاة قبل أن يجهزوا خطبهم الأخيرة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة