د.عادل السيد

جريمة ورثاء

الجمعة، 14 يناير 2011 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"صدمة فى مصر" كان العنوان الرئيسى فى صدر جريدة "الشرق الأوسط" السعودية مكتوبًا بالخط الأسود الحزين العريض فى اليوم الثانى من بداية هذا العام الجديد، وهى التى حصلت عليها من أول كشك للجرائد كان قريبًا من الفندق الذى كنت أقيم به فى مدريد.

"صدمة فى مصر" عنوان مفزع للحدث البشع والذى جرى وللأسف فى الإسكندرية المدينة التى كانت مَدَنِيَّة تعددية مثقفة متسامحة والتى أصبحت منذ ما يزيد عن جيل كامل أحادية الثقافة. وكنت قد حرصت فى زيارتى الأخيرة لمدريد على زيارة النصب التذكارى المقام فى محطة القطارات الرئيسية بها، تخليدًا لذكرى ضحايا الاعتداء الإرهابى البشع الذى جرى عام 2004، واستهدف قطار ضواحى المدينة ليقع 129 من الركاب، كانوا فى طريقهم لبدء يوم عمل جديد، ضحايا... قتلى... لمشكلة لا يعرفونها، علاوة على أنهم لم يدروا بأن هناك من كان يتربص بهم حاملاً لهم الموت لينهى حياتهم هكذا وبسهولة لا مجال لعاقل ولا لمجنون أن يصفها بالعمل الإيجابى، تمامًا كما فى حالة واقعة كنيسة القديسين فى مدينتى الإسكندرية.

المدخل إلى النصب التذكارى الإسبانى لضحايا الإرهاب معتم، تنظم الدخول إليه موظفة ترتدى زيًا رسميًا وهى تسمح بالدخول لعدد محدود وقليل من الزوار ثم تغلق الباب وهو يوصل لصالة واسعة لها باب آخر يؤدى بك إلى صالة واسعة على شكل شبة منحرف مضاءة بمصابيح خفية تعطيها لون أزرق متدرج من الخفيف إلى الغامق، ليقودك إلى ضوء أبيض يسطع من قبة (إسلامية) من الزجاج، ترفع رأسك لترى جسم القبة من الداخل وهو مزين بعبارات بمختلف لغات العالم بما فيها العربية، يمكن للواقف تحتها رؤية عبارة "لا للإرهاب" على أحد جوانبها البارزة، وعلى الأخرى عبارة "إنَّ نحب الحياة إذا استطعنا إليها سبيلاً" "والأصح: "لنحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً"، حيث أنى لم أنس أننى أعمل كمدرس للغة العربية أيضًا!).

وبعد، فما أشد حاجتنا نحن المصريين، والعرب عمومًا، لمثل هذه النصب التذكارية، لتضاف إلى كل النصب التى تخلد "الجندى المجهول"، والتى هى جزء من تاريخنا المعاصر، ولكن نَصب يُخلد ذكرى ضحايا الإرهاب – كل ضحايا الإرهاب – هو ضرورة يومية وحياتية فى هذا الوقت بالذات والتى كثرت فيه الحوادث الإرهابية التى تنسب للدين والدين منها براء، على أن تكون نصبًا لا لأن يزوره المسئولون الرسميون ولا الوزراء ولا رجال الرسميات والبرتوكولات، بل أن تكون لنا "نحن" - عامة الشعب، لنخلد بها ذكرى ضحايانا الأبرياء ولنأخذ منها دفعة جديدة، ولنضع أيدينا معًا ولنردد معًا وبأعلى صوت لنا جميعًا "لا للإرهاب"، "نعم للحياة"، "لا للفكر الأحادى"، "لا للتعصب" و"نعم للديمقراطية".

نحن فى أمس الحاجة إلى مثل هذه النصب التذكارية فى الإسكندرية والقاهرة والمنيا وأسيوط وأسوان وكافة أنحاء الوطن، ولتكن هذه النصب فى شكل هندسى معبر عن الحدث ونموذجى وبسيط يدع المرء يفكر فى التعامل مع الماضى كحقائق لا تقبل التكهن ولا لقراءة الفنجان وسؤال الودع، ولا اعتبارها فعلة لمجنون ولا لمجهول ولا لمن لم يستدل عليه بعد ولا لدرجها تحت بند القوى الخارجية من موساد وقاعدة وحزب الله، علاوة على ذلك يجب أن تعاملنا مع الماضى هو دفعة تزيد من "المواطنة" بمعنى ربطنا بهذا الوطن متساوين من رجل وامرأة ومسلم وقبطى، متدين وغير متدين.. كل ذلك فى إخوة إنسانية لحاضر ومستقبل لا يمكن لقوى الغدر مهما كانت قوتها الغادرة الغاشمة زعزعة ما بيننا.

* محاضر بجامعة انسبروك بالنمسا.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة