بيشوى رمزى رياض يكتب: علمانية أوروبا وسياسة المعايير المزدوجة

الجمعة، 14 يناير 2011 11:17 م
بيشوى رمزى رياض يكتب: علمانية أوروبا وسياسة المعايير المزدوجة أحداث الكنيسة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعبر التصريحات النارية التى أطلقها عدد من المسئولين بالاتحاد الأوروبى، حول الحادث البشع الذى شهدته مدينة الإسكندرية فى اللحظات الأولى من عام 2011، عن استمرار سياسة المعايير المزدوجة، والتى يتبناها الغرب دائماً تجاه مختلف القضايا، وهو ما اعتدناه فى السنوات، بل وفى العقود الماضية، ولكنها أثارت فى ذات الوقت تساؤلاً مهماً حول هوية الاتحاد الأوربى، خاصة فى ظل التزامن بين تصريحات المسئولين الأوربيين من ناحية وتصريحات البابا بينديكتوس السادس عشر، بابا الفاتيكان، من ناحية أخرى والتى تمركزت كلها حول مسألة كيفية حماية الأقليات المسيحية فى الشرق الأوسط.

بالرغم من أن أوروبا تتفاخر دائما بعلمانيتها المطلقة، إلا أن مسألة المرجعية الدينية مازالت تراود العقلية الأوروبية، ولذا فإن هناك تمسكاً شديداً من جانب العديد من الدول أعضاء الاتحاد الأوروبى بما يسمى "الإرث المسيحى"، وقد ظهر ذلك جليا إبان التوقيع على الدستور الأوروبى فى روما عام 2004، حينما ثار خلاف حول هوية ذلك الدستور، فقد طالبت بعض الدول، وعلى رأسها إيطاليا وبعض دول أوروبا الشرقية، بالإشارة إلى الإرث المسيحى كمرجعية للدستور، وهو ما لاقى رفضا من قبل دول أوروبا الغربية ذات النفوذ السياسى والاقتصادى وعلى رأسها فرنسا، والتى أصرت على أن الدستور الأوروبى يستمد جذوره من المبادئ الإنسانية والتراث العلمانى لأوروبا الغربية.

تعكس العديد من المواقف الأوروبية، سواء كانت مواقف جماعية – يتبناها الاتحاد الأوروبى – أو مواقف فردية تتبناها معظم الدول الأوروبية بشكل فردي، تعارضا شديدا مع الهوية العلمانية للقارة العجوز. فلو نظرنا إلى المستوى الأوروبى الجماعى نجد أن المثال الأبرز على ذلك هو المعارضة الشديدة لمسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى، باعتبارها دولة ذو أغلبية مسلمة، خاصة أنها ستتمتع بثقل تصويتى داخل الاتحاد، فى حالة قبولها كعضو به، نظرا لتعدادها السكانى الكبير، وهو ما قد يفتح الباب أمام أحفاد العثمانيين لتبنى مطالب الأقليات المسلمة فى أوروبا، خاصة فى ظل تفشى ظاهرة الإسلاموفوبيا داخل العديد من المجتمعات الغربية بشكل عام، وفى أوروبا بشكل خاص فى الآونة الأخيرة.

أما على المستوى الفردى نجد أن هناك اتجاها قويا داخل معظم الدول الأوروبية نحو اليمين المتطرف والمعروف بعدائه للإسلام والمسلمين، وهو ما فتح الباب أمام العديد من الأحزاب اليمينية فى أوروبا للوصول إلى سدة الحكم، وقد اتخذت تلك الأحزاب بدورها قرارات تمييزيه ضد الأقليات المسلمة، رفضتها العديد من المنظمات الحقوقية فى العالم، وهو ما يتنافى كليا مع مبدأ المواطنة، والذى يعد أهم المبادئ التى يكفلها النظام المدنى للدولة، ويعد حظر الحجاب فى فرنسا، وكذلك حظر الماذن فى سويسرا من الأمثلة البارزة فى هذا الصدد، نظراً لما تحمله مثل هذه القرارات من تقييد للحريات الدينية و التى تكفلها كافة الدساتير العلمانية. ولذا فنجد أن هناك إنتقادا أمريكيا، ربما للمرة الأولى، للحريات الدينية فى أوروبا، من خلال تقرير الحريات الدينية، الذى صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية فى نوفمبر 2010.
تعد القارة العجوز فى حاجة ملحة لإعادة تقييم أدائها العلمانى، وكذلك إعادة النظر فى أوضاع الأقليات الموجودة داخلها وحمايتهم، قبل أن يولى المسئولون الأوروبيون ذواتهم كأوصياء على الأقليات بمنطقة الشرق الأوسط، لضمان حمايتهم، خاصة وأن أوروبا كانت شريكا مهما فى زعزعة استقرار العديد من دول المنطقة وهو ما فتح الباب أمام تنظيمات إرهابية إجرامية لتتوغل داخلها و تهدد أمنها.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة