من يعلّم المصريين التطرف؟

الخميس، 13 يناير 2011 09:10 م
من يعلّم المصريين التطرف؟ البابا.. لحظات تأمل فى ليلة العيد الحزينة
محمد الدسوقى رشدى - تصوير: أحمد إسماعيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄القائمة تضم العائدين من الخليج ومشايخ وقساوسة الخطاب الدينى المتخلف ودروب الإنترنت الواسعة والإعلام الجاهل.. والأهم النظام السياسى الذى لم ينجح فى توفير تعليم محترم
إما أن تكون كتب التاريخ مزيفة أو أن العجائز الذين لا يملون من الحكى عن الزمن الجميل يكذبون!!.. شىء من هذا الذى يسبق علامتى التعجب لابد أن يكون صحيحاً، وإلا بماذا تفسر حادث الإسكندرية الأخير، وحوادث الفتن الطائفية التى أصبحت تتكرر مثلما يكرر التليفزيون المصرى أفلام إسماعيل ياسين..

شىء ما من تلك الحكايات عن مصر التى عاش فيها القبطى بجوار اليهودى بجوار المسلم دون مشاكل أو فتن لابد أن يكون كاذبا، شىء ما من حكايات جدودنا عن أصدقائهم الأقباط واليهود ومغامراتهم وأطباق الطعام التى جمعت أيديهم وأوقات الشدة التى تكالبوا عليها بيد واحدة حتى قهروها لابد أن يكون مزيفاً، شىء ما من حكايات كتب التاريخ عن مصر الغرقانة فى السماحة، والهلال الذى عانق الصليب فى وجه جنود الاحتلال الإنجليزى، ودماء جرجس التى امتزجت بدماء محمد وهى تروى رمال سيناء فى حرب أكتوبر لابد أن يكون فيه كثير من المبالغة.. وهل يعقل أن تكون تلك القصص والحكايات حقيقية ونحن نعيش فى بلد نار فتنته لا تهدأ ولا تخمد؟ هل يعقل أن تكون تلك القصص حقيقية ونحن نعيش فى بلد أصبح متعصبوه أكثر من الهم على القلب؟

العودة إلى ذلك العصر الذى كان فيه الأزهر رائداً وكان مشايخ الإسلام فيه من نوعية الإمام محمد عبده وقائمة مثقفيه ومشاهيره تضم العقاد والحكيم، وزكى نجيب محمود، وعلى عبدالرازق، ومكرم عبيد، وبطرس غالى، والقمص سرجيوس، وكانت النساء تسير فى شوارعه دون أن تتعرض للتحرش أو الاغتصاب.. العودة إلى ذلك العصر الذى لم تعرف فيه الكنيسة طعم السياسة الملوث، ولم تر صحفه بيانات وتظاهرات أقباط المهجر، ويدرك رجل الشارع فيه قبل المثقف، المعنى الحقيقى لعبارة «الدين لله والوطن للجميع».. العودة إلى حيث توجد هذه الشخصيات وتوجد هذه المعانى ستجعلك تعيد النظر معى فى اتهامات الكذب والتزييف التى تم توجيهها فى السطور الأولى للحكايات الواردة عن هذا العصر فى كتب التاريخ وقصص الأجداد، وتدفعك لأن تبحث عن هؤلاء الذين علموا هذا الشعب الذى عاش سمحاً وطيباً لسنوات طويلة معانى التعصب والتطرف، هؤلاء الذين نقلوا الشعب المصرى من خانة الحضارة إلى خانة التخلف، من خانة الأحضان المفتوحة لكل آخر مختلف وصهره فى بوتقة ثقافة واحدة هى الثقافة المصرية، إلى خانة تمتلئ بكره كل ماهو غريب ولا تجد سوى العزلة سبيلا للأمان.

لم يتحول المصريون بين ليلة وضحاها إلى متطرفين تنكسر تحت شوكة تعصبهم شعارات الوحدة الوطنية التى كانوا أول من رفعوها، فلابد أن يكون هناك من علمهم التطرف، لم يتحولوا إلى متعصبين بالصدفة أو من تلقاء أنفسهم، بل كانت هناك أياد تمتد من الداخل والخارج لتلعب فى جينات هذا الشعب الذى صمد أمام ألاعيب الفتنة والتفرقة لسنوات طويلة، ثم سقط فى فخها بسهولة وسذاجة المبتدئين، وأصبح يغضب ويثور ويسفك دماء بعضه البعض من أجل فتاة ليل فضلت قضاء الليلة مع مسيحى، أو من أجل سور كنيسة، أو ميكروفون مسجد.

من هم إذن الذين تجرأوا على مصر ونجحوا فى إفساد شعبها؟ من هم إذن هؤلاء الأساتذة الذين جعلوا المصريين تلاميذ فى مدارس تطرفهم وعلموهم التعصب وكره الآخر؟ من هم إذن هؤلاء العباقرة الذين لخبطوا كيان هذا الشعب ودمروا علاقته بالسماء وجعلوا من المصرى الذى كانت تربطه بالإله علاقة طوعية قائمة على الحب والمودة إلى عبد أنانى يؤدى الطقوس خوفا أو طمعا فى جنة وهروبا من نار؟ من هؤلاء الذين نجحوا فى تدمير تلك العلاقة القائمة على الرجاء أكثر من الخوف؟

للأسف الإجابة أسهل وأبسط من أن تحتاج إلى كل علامات الاستفهام هذه، الإجابة سهلة لأنهم منتشرون فى كل مكان ويأخذون أكثر من شكل، ويتفنون فى ابتكار الجديد والغريب من الأساليب التى حولت العديد من المصريين البسطاء إلى قنابل تعصب تسير على الأرض، وربما تكون أفضل بداية مع قائمة معلمى التطرف بأهمهم وأخطرهم على الإطلاق.. رجال الدين.

وهل هناك أخطر من رجال الدين فى مصر، هؤلاء الذين اعتاد المصرى القديم احترامهم وتقديسهم، وظلوا لفترات طويلة يرفعون مشاعل إنارة طريق هذا الوطن نحو المستقبل، ثم طغى فاسدهم على شريفهم، ومتعصبهم على متسامحهم، ليظهر فى مصر نوع جديد من رجال الدين سواء كانوا أقباطا أو مسلمين ينشرون تعصبهم فى شكل تعاليم دينية، وخطاب دينى جديد يضع الطقوس فى قائمة الأولويات، ويعبد النصوص ويتغزل فى قوتها، دون أن يقترب أبداً من روحها، أو يجيد تأويلها والتعامل معها.

على الجانب الإسلامى ظهر نوع جديد من رجال الدين محملا بغبار التيار السلفى لا يخجل من أن يقف شيوخه على المنابر ليخطبوا فى المسلمين ويلعنوا النصارى، أو يستفيضوا فى الحديث عن عدم صلب المسيح عليه السلام، رغم أنه يعلم أن ميكرفون الزاوية الصغيرة التى يخطب فيها معلق على شباك أو بلكونة أسرة مسيحية تسمع بأذنيها ضربا فى عقيدتها وتكتم غضبها فى صدرها انتظارا للحظة التفريغ المناسبة، ثم تطور الأمر بظهور قادة هذه النوعية من المشايخ على شاشات الفضائيات الدينية ليستمروا فى مناقشة ما إذا كان المسيح قد صلب أم لا؟! والإنجيل قد حرّف أم لا؟! وكأن المسلمين فى حاجة إلى معرفة ذلك لكى يدخلوا الجنة ويتموا إسلامهم، ثم تطور الأمر أكثر بانتشار فتاوى لهؤلاء المشايخ تحرم موالاة المسيحيين وتعتبر مشاركتهم أعيادهم نوعا من الكفر والشرك ومخالفة لصحيح الدين، فهل تجد أكثر من ذلك دروساً لتعليم التعصب؟ هل تجد مدرسة أفضل للتعصب من هؤلاء المشايخ الذين ائتمنهم الناس على تعاليم دينهم فتركوا فقه المعاملات، وتركوا الناس يسرقون ويرتشون، وأقفوا تعاليم الدين عند منطقة عذاب القبر وتوجيه السباب لأصحاب الأديان الأخرى، الذين فتحوا منابرهم هم الآخرون للرد والتجريح، فظهر القس زكريا بطرس وعدد آخر من الأشخاص على شاشات فضائيات دينية مسيحية يشككون فى القرآن، ويدعون قيام النبى محمد صلى الله عليه وسلم بسرقة آيات القرآن من راهب فى الصحراء، فتحول الأمر إلى معركة المنتصر فيها من يصنع حلقة فضائية تحمل هجوما وتجريحا للدين الآخر لا يمكن رده.

هذا النوع من المعارك.. معارك إثبات الدين الأصح والدين الأحق انتقلت إلى ساحة أخرى أكثر فوضوية وأكثر «هرتلة» هى ساحة الإنترنت، حيث تخطى الأمر لعبة الشيوخ، وبدأ شباب متحمس يواجه بعضه مستخدما مقاطع من كلمات المشايخ والقساوسة، أو يبحث هو بدون علم أو فقه أو دراسة عن أى شىء يثبت وجهة نظره، ولأنه غير دارس أو غير عالم ينتهى الأمر بمعركة لفظية فيها من السباب والتجريح ما يكفى لأن يملأ الصدور غضبا، لأن كل طرف ينتهى من مناقشات الإنترنت وهو يتخيل أنه لم يأخذ حق دينه وعقيدته التى تم شتمها وتجريحها بشكل كاف، ويظل فى انتظار اللحظة المناسبة للتعويض عن ذلك، فيتحول الغضب مع الانتظار إلى مادة خام للتعصب ينشرها فى أوساط تواجده، وتتم ترجمتها فى أفعاله تجاه الآخر.

النظام الحاكم واحد من معلمى التطرف بل ربما يكون ناظر مدرسة التعصب نفسها، فهل يوجد أفضل من القمع والقهر أرضا خصبة لكى تنمو فيها بذور التعصب والتطرف؟ هل يوجد أفضل من نظام اهتم بكل شىء يضمن بقاءه على حساب التعليم، فخلق مناهج دراسية لا تحترم فكرة التنوع الثقافى والعقائدى التى عاشتها مصر طوال تاريخها، وتجاهلت الآخر المسيحى، وكأنه ليس موجوداً، وكأن العادى أن يقوم الطلاب المسيحيون بحفظ النصوص القرآنية والإسلامية الواردة فى مادة اللغة العربية للامتحان فيها؟ ثم تأتى المشكلة الأكبر فى تفكير أهل النظام وطريقة تعاملهم مع الفتنة الطائفية وقضية الوحدة الوطنية بوضعها فى يد الأمن كأنها ملف جرائمى أو ملف عنف وإرهاب يستدعى مراقبة أمنية، فجاءت النتائج على طريقة تعامل الأمن مع المواطنين فى المظاهرات ضرب، وضرب بدون أى تفاهم.

الفقر والبطالة والجوع وباقى الأشياء السلبية التى خلفها النظام السياسى تركت المصريين فريسة لأى تيار هوائى متطرف، وما أكثر التيارات المتطرفة التى ملأت البلد فى الفترة الأخيرة، خصوصا تلك التى جاءت مع القادمين من الخليج محملين بأمواله البترولية وأفكاره الوهابية، وسرعان ما سيطرت تلك الثقافة.. ثقافة اللحية والجلباب التى اعتادت ألا ترى كنائس فى السعودية وألا ترى مسيحيين يرفعون أصواتهم بالترانيم، وعادت إلى مصر وهى مؤمنة بأن الوضع القائم فى مصر لابد أن يتشابه مع الوضع القائم فى تلك البلدان التى لقبت نفسها بالإسلامية، غافلين عن أن طبيعة مصر حتى لو كانت دولة إسلامية تختلف كثيرا عما يحدث فى الخليج أو فى السعودية.

وإذا كان النظام السياسى هو ناظر مدرسة التعصب السياسى التى علمت المصريين التطرف، فإن السادة أقباط المهجر هم المعلم الأكثر شراً فى تلك المدرسة، والأكثر نشرا لأخبث بذور التطرف والفتنة، كثير من أقباط المهجر خرجوا من مصر مهزومين ووجدوا أذرع المنظمات الدولية والحقوقية وبعض الجهات المشبوهة مفتوحة فقرروا أن يلقوا بأنفسهم فى أحضانها، ولم تكن لديهم سلعة رائجة للبيع أكثر من العزف على نغمة اضطهاد الأقباط فى مصر، وعدم حصولهم على حقوقهم، مما نشر شعورا عاما بالتحدى لدى المسلمين الذين وجدوا إخوة لهم يستعدون العالم عليهم مقابل مصالح شخصية.

وفى نفس قائمة المعلمين يمكنك أن تعتبر الكنيسة بصمتها فى بعض الأحيان ولفها ودورانها تجاه قضايا الأسلمة والتنصير شريكا أساسيا فى نشر التعصب، خاصة إذا تابعت الأزمات الأخيرة الخاصة بوفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة وغيرهما؟

الإعلام المصرى علّم المصريين التطرف أيضا، وساهم فى انتشاره إما بقلة معرفة وجهل رجاله، أو لأنه فتح الباب على مصراعيه أمام كل من هب ودب ليظهر على الفضائيات، وفى البرامج ليفتى بغير علم، ويناقش بغير معرفة الكثير من القضايا الشائكة.

فالإعلام سواء كان مسموعا أو مقروءا هو الذى قدم لنا عبقريات الدكتور زغلول النجار الذى ترك كل شىء فى الدين وأخذ يبحث ويتباحث فى شؤون المسيحية والإنجيل، ويحرّض الناس على الكنيسة، وفى نفس الوقت غفلت وسائل الإعلام عن دورها فى التوعية لصالح الجرى فى سباق الانفراد والسبق، فنشرت دون تدقيق أخبارا تزرع الفتنة، ولجأت للمثير والساخن من العناوين دون أن تعى أنها تزرع غضباً وتعصباً بين المسلمين والمسيحيين.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة