الكل خرج يبرئ الإسلام من كارثة «القديسين» فهل كان الإسلام متهماً من الأصل؟

الخميس، 13 يناير 2011 09:10 م
الكل خرج يبرئ الإسلام من كارثة «القديسين» فهل كان الإسلام متهماً من الأصل؟ التكاتف الشعبى أبرز إيجابيات الأزمة
جمال العاصى - تصوير: أحمد إسماعيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ الانتهازية ظهرت فى مطالب الأقباط.. أما لجنة السياسات فبحثت عن مكانتها بالتقرب إلى المسيحيين.. والإيجابيات أبرزها خروج المسيحيين من عزلتهم وحالة تكاتف رائعة
انتهت مراسم العزاء الشعبى والرسمى فى الكارثة المروعة لكنيسة القديسين، واحتفل الأقباط بعيد الميلاد المجيد، وشاركهم المسلمون بكل ألوانهم وأطيافهم السياسية والشعبية أحزانهم، وسافر البابا شنودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليستكمل رحلة علاجه، ولكن تركت هذه الأزمة الكبيرة مخاوف وهواجس شديدة بسبب أن البعض يرى أنها ستنتهى دون نتائج ملموسة، وهنا لا أشكك فى النوايا، ولكن كما تعودنا أننا نتحرك بدرجات حرارة عالية وقت الأحداث والكوارث، وسرعان ما ندخل درجات التبريد وربما التجميد إذا ما هدأت العواصف، ونظن دوما أن النسيان فضيلة أو منحة طول الوقت، ونؤجل كل الملفات الموجعة إلى وقت آخر، وننسى أن الفتنة الطائفية إذا شبت نيرانها لن ينجو منها أحد، لأنها ستنال من هويتنا وثقافتنا، فتسعى دوماً إلى التقسيم، ولكن هناك خمس ملاحظات دونتها حول هذه الكارثة، ربما تؤلم وتوجع البعض، ولكننى أحاول دوما إسقاط ورقة التوت التى نحاول التمسك بها، وأرى أن التعرية الكاملة تجعلنا نعيد تقويم وتغطية أنفسنا بشكل نرضى عنه جميعاً.

أولاً: ربما أسفر هذا الحادث الأليم عن أنانية مفرطة وانتهازية غير مقبولة بعدما ظهرت الأصوات القبطية لا تبحث عن حلول باترة لقطع دابر تلك الفتنة، قدر اهتمامها بجنى أو أخذ ثمن تلك الكارثة الرهيبة، وبات الجميع يتكلم فى قانون العبادة الموحد، وكأنه السبب الرئيسى لتلك المجزرة، رغم أنها كارثة ليست دوافعها وأسبابها مشاجرة أو تناحرا إسلاميا - مسيحيا حول أرض بناء مسجد أو كنسية.. ولم يفكر أصحاب هذا المطلب أن هناك عجزاً مثلاً فى عدد الكنائس يسبب أرقا أو أزمة للمتعبدين والمصلين، بدليل قول السيد المسيح فى الإنجيل: «متى صليت ادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلّ إلى أبيك الذى فى السموات»، وهكذا يوضح ويؤكد السيد المسيح أن الصلاة تجوز فى أى مكان، إذا كنا حقاً نبحث عن التواصل مع الخالق بعيدا عن الدين الشكلى، ونسى أصحاب مطالب قانون دور العبادة أيضاً أن هناك صراعاً يصل إلى التطرف والتعصب بين مذاهب وملل الديانة المسيحية، فلا أحد ينكر الصراعات المذهبية بين الكاثوليك والأرثوذكس والإنجيليين أيضاً، وأزعم أن الأزمات بينهم ليست بسبب قانون دور العبادة الموحد.

وراحت لجنة السياسات أيضاً تبحث عن مغانمها، وبانتهازية شديدة، للتقرب من المسيحيين، فراحت تطالعنا بخبر أن هناك دراسات وأبحاثا ومناقشات تجريها اللجنة حول أزمة دور قانون العبادة الموحد.. وعلى ما يبدو أن تلك الكارثة سيتم إهالة التراب عليها، وسوف تقدم الحكومة بعض التعويضات والمنح والعطايا للمسيحيين ليصمتوا ويسكتوا ويتم تأجيل هذا الملف إلى حين أزمة أخرى.

ثانياً: رغم أن المتهم أو الجانى فى كارثة كنيسة القديسين التى هزت وجدان ومشاعر الشعب المصرى لم يتم اكتشافه أو معرفة هويته أو حتى اتجاهاته إذا كانت سياسة أو دينية، وربما كان مختلاً عقلياً كما أشارت وأكدت الحادثة الماضية فى حادث الكنيسة ذاتها منذ أربعة أعوام- فإن معاول ومدافع الاتهامات راحت بلا هوادة أو عقل تدين الإسلام إما بشكل مباشر، أو بطريقة غير مباشرة.. الكل بدون استثناء راح يؤكد ويرفع رايات الوحدة الوطنية.. راحوا جميعاً يتكلمون عن مشايخ الفتنة الذين يعتلون منابر المساجد الصغيرة، والذين يرفضون الآخر.. الكل فتح بوابات الكلام ليؤكد أن الدين الإسلامى دين التسامح، ودين احترام الآخر.. فجأة انتفض شيخ الأزهر د. أحمد الطيب ليؤكد بالآيات القرآنية توصيات الرسول صلى الله وعليه وسلم عن الإخوة المسيحيين.. كلنا أنجرفنا وقدمنا المتهم على أنه مسلم متشدد وكاره للأقباط.. ويبدو أن حالة الدفاع المستمر عن الإسلام والمسلمين ومحاولات الضغط المستمر عليهم سوف تقلب أمزجة المسلمين جميعاً، لأنه ليس من المنطقى أن تظل المكارم سواء كانت للمسؤولين أو غير المسؤولين فى وسائل الإعلام المختلفة.. وأيضاً أكد مفتى الديار المصرية على جمعة أن الإسلام برىء ولا يمت بأى صلة لمثل هذه الهجمات، وأكد بآيات القرآنية «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» صدق الله العظيم.

والذين تحدثوا لم يبحثوا عن «المستفيد» من تلك المجزرة ليعرفوا الجانى الأصلى.. وأحذر هنا من المغالاة والتشدد فى جلد الذات الإسلامية، مما قد يؤدى إلى الشعور العام بالاضطهاد، وهو ما بات يقلق الأغلبية لأن الاعتدال والوسطية والاتزان فى المعالجة سوف تبعث الطمأنينة للجميع، وبدلا من أن تشهد ردود أفعال عصبية أو متطرفة من المسلمين لشعورهم أنهم متهمون دون تهمة واضحة، أو دون تهمة ارتكبوها.. فكلمة الدين الإسلامى برىء من القتل يراها الكثيرون أنها دفاع واضح عن تهمة، وكأن أصابع الاتهام تشير إلى أن الفاعل مسلم.

ثالثاً: جاءت المظاهرات وخروجها إلى الشوارع من أبرز إيجابيات هذه الكارثة المروعة، لأنها أخرجت المسيحيين من عزلتهم، وجعلتهم يتعاملون مع حكومتهم ونظامهم السياسى بشكل مباشر، وربما أراها المرة الأول أن يعبر الصوت القبطى عن نفسه بمطالبة واضحة ولافتات جاذبة للأنظار، وربما أزاحت هذه المظاهرات حالات الرغى السرى المعتاد عندما يكون المسيحيون فى أزمة، أو وقتما يكون لديهم شعور متنامٍ بالاضطهاد، وأميز أيضاً ما فى هذه المظاهرات هو حالات الشعور بالظلم الواحد المتساوى بين المسلمين والمسيحيين، عندما شاركت مجموعة كبيرة من المسلمين- وبالذات شبابها- فى هذه المظاهرات تأكيداً لعدم شيوع العدالة الذى يمارسه النظام ضد المسلمين والمسيحيين معاً، وضربت مظاهرات شبرا المثل الأعم والأفضل لأنها كانت حريصة معظم الوقت على المحافظة على الأملاك العامة والخاصة إلا قليلاً من الخارجين الذين أرادوا تشويه هذه المظاهرة، ولكن العجيب فى الأمر أن الحكومة أرادت تصنيف هذه المظاهرات بعدما قامت بتوجيه بعضها طبقاً لرؤيتها وحرضت على تلك المظاهرات بينما رفضت المظاهرات التى خرجت بطبيعتها لأنها كانت تضم متظاهرين حقيقيين يطالبون بالعادلة بألوانها المختلفة.. وأزعم أن تلك المظاهرات أعادت الأقباط إلى النسج المصرى الواحد بكل ولائهم إلى الوطن الأكبر مصر، على أمل أن تختفى مصطلحات الطائفية مثل شعب الكنيسة الذى بات متداولا للأسف ويخرج هذا المصطلح على لسان الرءوس الكبيرة فى الكنيسة.. وأزعم أن ذوبان المسيحيين داخل المجتمع سيجعلنا جميعاً لا نطالب بسن تشريعات تخص الأقباط فقط وتجعهم لا يلجأون مرة أخرى إلى الاعتصام أو الشكوى لبابا الكنيسة، ولكنهم سيلجأون إلى قوانين ودستور البلاد الذى تم وضعه لكى يحمى المواطن بعيداً عن ديانته.. وأرى أنه قد آن الأوان أن تجلس القوى الوطنية بطل أطيافها آملين أن يقدموا مقترحات حقيقية تساهم فى تغير اللون الاجتماعى الذى يسبب الاحتقان الدائم والذى يولد الانفجار المباغت الذى يهدد كيان الأمة.

رابعاً: لا شك أن الإعلام قام بتغطية تفصيلية للحادث المروع واستطاع إلى حد كبير تضميد جراح الأخوة الأقباط وسلط الجميع الأضواء عليهم بشكل غير مسبوق، وربما يكون الحادث الطائفى الوحيد الذى ينال كل هذا الاهتمام الإعلامى رغم وقوع البعض فى فخ أو منافسة الأمن فى تقديم الجانى، وراح البعض أيضا يؤكد أن السيارة المفخخة هى السبب فى التفجيرات رغم أن رجال الشرطة أكدوا أن شخصاً يرتدى حزاما ناسفا أو عبوة مفخخة وراء الحادث، ولكن الملاحظ أن الإعلام الرياضى سقط فى حلبة المعالجة بمزيد من التفسيرات والحكايات والود القديم بين المسلمين والمسيحيين فى كرة القدم.

ولكن ما أدهشنى وجعلنى أتعجب هو ما قاله أحد مقدمى البرامج الرياضية عندما قال: «نمر بالمرة دقيقتين على موضوع كنيسة القديسين»، وكأنه واجب أو إثبات حالة أنه تكلم وتحدث عن حادث الكنيسة، وكنت أتمنى من أهل الإعلام الرياضى أن يبحثوا ويشغلوا بالهم بالاحتقان الدائر الآن بين الألتراس الأهلاوى والزملكاوى والإسمعيلاوى ليبحثوا عن حلول لتلك الأزمة التى أراها تهدد أمن البلاد وربما تؤدى إلى الفوضى العارمة، لأن شباب جماهير الأندية الكروية باتوا أكثر عدوانية وعداء بشكل مخيف وغير مسبوق، وباتت هذه الظاهرة تبحث عن حلول حقيقية بعيداً عن الاتهامات والتخويف بعصا الشرطة أو قضايا الشغب. لا أنكر هنا حق الذين تناولوا أزمة كنيسة القديسين فهو حق أصيل لهم، ولكن دعوا هذا الشأن لأصحابه واهتموا بقنابل الألتراس الموقوتة التى ستنفجر فى أى لحظة قريبة.

خامساً: السؤال الذى بات أكثر أهمية هو لماذا تستعصى كل قضايا المسلمين والمسيحيين على الحل؟.. ويبدو أنه يصعب علينا تقديم إجابات شافية لهذا السؤال نظراً لتفشى التطرف الإرهابى المتنكر فى الدين وحالات الصراعات السياسية وتضاؤل دور الأحزاب والنخب، وتراجع دور المثقفين بشكل عام فى تخطى حالات عنف المجتمع العام، وترك أزمات التعليم والتلسين الدينى المتطرف بين جناحى الأمة عند الأطفال بالذات، أو التربية المعقدة من الآباء والأمهات الجدد، والتى باتت تتسم بالتعقيد والحساسية والالتباس والرغبة الجماعية للجنوح تجاه بوصلة التطرف بعدما فقدت الأغلبية آمالها وطموحاتها فى نيل قسط من مباهج الحياة، فذهب هؤلاء يتمسحون ويسعون إلى نيل مباهج الآخرة ظنا أن الاقتتال الإسلامى المسيحى هو الطريق إلى الجنة ورضا الخالق سبحانه وتعالى، ونسى هؤلاء جميعا فى غمرة التناحر والخصومات أن جزءا أصيلا من تراثنا الإسلامى أن «الدين المعاملة»، وأراه ملخصاً قويا يجب أن نتمسك به ونعيد وضع هذه اللافتة فى منازلنا ومقار عملنا، ربما يتفهم المتشددون هنا وهناك أن المعاملة الطيبة هى الطريق الحقيقى لمرضاة الخالق.
وعموماً نحن فى مرحلة تحتاج إلى فكر شجاع يجدد مشاريع النهضة الفكرية بشكل عام.. ربما نجد إجابة السؤال المستعصى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة