◄◄ قانونا دور العبادة والزواج الثانى.. والتمثيل السياسى.. وانتشار الفضائيات الدينية وقانون الأحوال الشخصية.. والمناهج التعليمية.. أزمات «مكتومة» فى نفوس الأقباط
◄◄ تدنى الخطاب الدينى وحروب التنصير والأسلمة وأقباط المهجر..أفسدوا ملامح الوحدة الوطنية
يمثل عدد الضحايا والشهداء الذين خلفتهم قنبلة المسامير والمواد شديدة الانفجار التى تسببت فى حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية رمزا قد يخلفه عدد من الأشياء التى يراها المرء بسيطة، لكنها إذا جمعت مع بعضها وتم استخدامها بطريقة معينة تصبح أداة شديدة التفجير والأذى، تلك المعادلة يمكن تطبيقها بسهولة على أمور عديدة فى الشأن المصرى، إذا ما تراصت بجوار بعضها تحولت كل منها إلى قنبلة محلية الصنع أيضا، لكن ضحاياها قد يفوق عدد ضحايا الإسكندرية، والشاهد على ذلك النسبة البيانية المتصاعدة لأرقام الضحايا للأحداث الطائفية الطابع، ورغم أنهم يمثلون الغالبية العظمى للضحايا، لكنهم أيضاً يمثلون طرفاً فى تلك المعادلة، كما أن المسلمين أيضاً طرف.
الطرفان هنا مسلمون ومسيحيون يشتركان فى صناعة قنبلة محلية باقتدار تتمثل فى الخطاب الدينى المتدنى خلال الأعوام الأخيرة، تمثل فى انحسار دور الكنيسة فى التوعية الوطنية، وسكوتها عن بعض من يتحدثون باسمها فى تعبئة طائفية غير مبررة، كما يتضح هذا التدنى فى التشوهات التى تميز المناهج التعليمية سواء بخلوها من مواد تحض على المواطنة، أو احتوائها على أخرى تحرض على العنصرية، بالإضافة إلى تراجع مستوى خطباء المساجد، واعتناق بعضهم لأفكار متزمتة، لا تتناسب مع المتغيرات الطارئة على المجتمع المصرى، وانتشار فضائيات دينية إسلامية ومسيحية تتبنى خطابا يهاجم الآخر ويقلل منه، ودعوات قادتها رموز دينية تطعن فى دين الآخر، فأفرز ذلك الخطاب أجيالا لا تعرف عن الآخر سوى أنه عدو، فى ظل انسحاب دور المؤسستين الدينيتين الرسميتين (الأزهر والكنيسة)، ويعد الخطاب الدينى الزاعق، هو المقدمة لكثير من النتائج الطائفية، وتكمن خطورته فى تأثيره الواسع على البسطاء، الذين يتحولون لوقود جاهز للاحتقان الطائفى، ورغم ذلك يظل ذلك الخطاب سائداً ووسيلة تكسب ثراء لدى كثيرين، يقابله تجاهل حكومى يعتبره البعض «مقصوداً» من أجل الاستغلال السياسى لتيارات دينية بعينها فى ظروف معينة.
تدخل اليد الحكومية فى صنع قنابل محلية مهيأة للانفجار ليس حديث العهد، فعندما قال الرئيس الراحل أنور السادات «أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة» قبل أكثر من 30 عاماً لم يكن يدرى أنه زرع لغماً، كان هو أول ضحاياه، بعد تعديله للدستور لتصبح المادة الثانية من الدستور ذريعة لعدد كبير من المشاحنات الطائفية حيث مازال تعديل أو حذف تلك المادة التى تنص على أن» الإسلام هو الدين الرسمى للدولة والمصدر الرئيس للتشريع» هو المطلب الذى يبرز على السطح عند كل حديث عن الدولة المدنية والمواطنة وسيادة القانون، لكنه على مدار السنوات السابقة لم يكن هناك أى مبادرة جدية من أى تيار سياسى أو فكرى فى مصر لتعديل هذه المادة، كما أن الحساسية التى خلقها دفاع بعض الرموز الإسلامية عن المادة ووضع تفسيرات لها منحتها منطقاً وقدسية جعلاً منها رمزاً للهوية المصرية، وهو ما خلق أيضاً فكرة أحقية الأغلبية المسلمة فى صياغة ما تراه مناسباً من ألوان التعامل مع غيرها من الأقليات، واختلط أيضا بهذه الصياغات أفكار مثل أن رضاء المسيحيين فى كنف الأغلبية المسلمة يمنحهم الحماية الواجبة، فتضاءل أمام هذه القناعات مبدأ سيادة القانون التى تحمى حقوق الجميع، وتتصاعد فى المقابل وتيرة الاحتقان الكامن فى نفوس الأقليات ليتحول إلى قنبلة مكتومة من صنع أيدينا تنتظر حادثاً واحداً يفجرها.
فى المقابل لنظرية استبداد الأغلبية المسلمة تقف جماعات الضغط المسيحية التى تعتبر نفسها الصوت الحر المعبر عن مشاكل المسيحيين فى مصر، وهم من يطلقون على أنفسهم أقباط المهجر، فرغم أن أحدا لا ينكر عليهم حق التعبير عن مشاكل إخوتهم فى الداخل والمطالبة بإنهاء ما يعتبرونه تمييزاً ضدهم، ولكن الأمر يتحول إلى ما هو أكثر من المطالبة البريئة، إلى ما يعتبره من فى الداخل حتى من الأقباط انفسهم - نوعاً من المزايدة والابتزاز والتشهير الذى قد يتحول فى النهاية إلى وسيلة لتحقيق مكاسب تخرج عن إطار المطالب المشروعة، ويترتب عليه أن يصبح التلاسن بين أقباط المهجر وبين الأصوات الداخلية حول الاستغاثة بالخارج لحماية المسيحيين فى مصر، واتهامات متبادلة بين الطرفين بالتخوين والعمالة، سواء للغرب «الكافر» أو الخليج «الوهابى»، هؤلاء الأقباط رغم أنهم فى الخارج، يتحولون لقنبلة محلية الصنع إذا ما تحولوا إلى عدو صريح للأغلبية فى الداخل، ويكون أول بوادرها، إصرار بعضهم على نسف فكرة أن «المصرى» مصطلح يجمع بين المسلم والمسيحى وتشبثهم بإثبات أحقيتهم فى مصطلح «أصحاب الأرض الحقيقيين» ويتحول الباقون إلى مجرد ضيوف.
الحديث عن الضيوف يترتب عليه أقوال أخرى يستدعيها كل حادث يكون المسيحيون طرفا فيه، حيث يتصدر قانون دور العبادة الموحد، وهى قنبلة أخرى تتجاهلها الحكومات المصرية المتعاقبة رغم أنها تقف عليها طول الوقت، وكثير من مسؤوليها ينزلقون فى وعود سياسية، حول اقتراب موعد إقرار قانون يمنح الأقباط إطاراً شرعياً لبناء كنائسهم، ثم تتحول الوعود إلى سراب، واحتقان زائد لدى الأقباط، فبالنظر للحوادث الطائفية على مدار الأعوام الماضية كانت الصلوات والكنائس تمثل 90 % من الأسباب، ويظل القانون حلما يراود كثيرا من الأقباط، وفى المقابل، يتحول تأخره إلى شعور أكثر بالتمييز السلبى، يصب أيضاً فى خانة استبداد الأغلبية المسلمة، رغم أنها ليست السبب فى تأخره، إنما الأسباب الحقيقية لتأجيله تمثل سرا كبيرا تختلط فيه السياسة بالدين، ويعتبره الأقباط عنادا غير مبرر من النظام المصرى يقوى عقدة الاضطهاد.
الشجون التى تثيرها كلمة «قوانين» لدى الأقباط ترتبط أيضا بقانون الأحوال الشخصية، بعدما صار مؤخراً عنصراً حاضراً فى كل مطلب للأقباط، الذين يعتبرون حل مشاكلهم الشخصية فيما يخص الزواج والطلاق بقوانين مستمدة من الإسلامية، نوعاً من «الإهانة» فهم على يقين بأن فى الشريعة المسيحية ما يكفى للتعامل فى الأحوال الشخصية، لذلك تنتابهم الريبة عندما تماطل الدولة فى إصدار قانون يناسبهم، رغم قدرتها الفائقة على إصدار قوانين فى أوقات وجيزة، وستظل هذه أيضاً قنبلة محلية الصنع توشك على الانفجار مع كل حكم قضائى يخص الأحوال الشخصية لأحد المسيحيين.
ويرجع كثير من بسطاء الأقباط تأخر صدور قانون دور العبادة الموحد إلى مشكلة أخرى متأصلة فيما يعتبرونه «تاريخ من الاضطهاد» حيث يعتبرون التمييز ضدهم امتد إلى التمثيل السياسى، حين منعوا من تواجد مناسب على الساحة السياسية بحرمانهم من الوظائف القيادية، واكتفاء النظام باستخدام تعيين الأقباط عصا للترهيب وجزرة للترغيب أحيانا، ومسكن لأصوات قبطية علت للمطالبة بمساحة تمثيل سياسى أكبر، حتى بعدما تنبهت بعض العقول الحاكمة لهذا الأمر وحاولت إسكاتهم بتعيين محافظ هنا أو وزير هناك.
أفشلت الانتخابات البرلمانية كل مظاهر عدم التمييز بتراجع أكثر لعدد الأقباط المشاركين فى الحياة السياسية، ولم يكن سبيل إلا بتدخل الرئيس مبارك وتعيين سبعة منهم دفعة واحدة فى مجلس الشعب، لكن سيظل الإحساس بالظلم معلقا حتى إشعار آخر أو يتدخل الرئيس مرة أخرى.
يتبقى فى جعبة المتربصين بمصر قنبلة واحدة سهلة التفجير، تتمثل فى حروب تدور فى الخفاء، حول تنصير المسلمين وأسلمة المسيحيين، والتى تحولت إلى قضية شرف أكثر منها قضية دينية، بعد تماسها مع قضايا عائلية وارتباطها بعمليات خطف الفتيات، حتى أصبح كل شارع وقرية وحارة فى مصر يسكنها مسلمون ومسيحيون، مادة سريعة الاشتعال بقصة حب، أو جريمة تحرش أو شبهة اعتداء، وهو اشتعال لا يمنعه سوى سيادة القانون والحزم فى تطبيقه، والشفافية فى تنفيذه.
7 قنابل محلية الصنع وراء الأحداث الطائفية فى مصر
الخميس، 13 يناير 2011 09:10 م
فتنة العمرانية كشفت عن حاجة ملحة لقانون دور العبادة الموحد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة