أكتب إليك الآن وبيتنا والحمد لله بلا تكييف وقد عرفت أن السيد رئيس الوزراء تحدث بالفم المليان عن ارتفاع مستوى عيشة المصريين الذين اشتروا حوالى ٧٥٠ ألف جهاز تكييف خلال العام الأخير وكمل معاليه كلامه مؤكدا أن "ما فيش بلد فى العالم يعيش بهذا البذخ الذى نفعله فى الطاقة".
أتمنى من الله أن يرزقنى والسامعين والقارئين بواحد من تكييفات صاحب المعالى سواء التى يجدها فى سيارته أو مكتبه أو أى مكان يتواجد فيه حتى أشعر بالرفاهية وأتيقن بعين الاطمئنان أننى فى زمرة المرفهين وحياتى عال العال.
إن الهواء البارد المنعش من المكيف أو التكييف كما تحب أن تسميه أنتظر "هفهفته" بفارغ الصبر ومداعبة نسماته على أحر من الجمر، فهذا الهواء البارد الذى يجعلك فى أعلى عليين هو وحده الدليل على أن معيشتك مرتفعة ومعنوياتك مرتفعة وسعادتك مرتفعة وأرصدتك فى البنوك مرتفعة ولو كنت فقيرا غلبانا مثلى على باب الله فمؤكد أن حرارتك ستصبح مرتفعة فوق الأربعين بخمسين ستين سبعين شرطة من سماع تلك التصريحات.
إننى أتذكر أيام الصيف الحارة التى كانت تعانى فيها البلاد من انقطاع مستمر للكهرباء ولا أملك سوى التعاطف مع من اشتروا المكيفات فمؤكد أنهم أصيبوا بعين الحسود ولم يتمكنوا من الاستمتاع بضيفهم العزيز وقد أصبح واحدا من الأسرة فعانى هذا الضيف الذى يعتمد فى كل عمله على الكهرباء التى نعيش فيها كما جاء الكلام ببذخ.
لكن ما علينا فقد أصبحوا من غير كلام فى عيشة رفيعة وطبعا لأن الناس مقامات فالتكييف أيضا له مقامات محفوظة فى سرعاته التى تقاس بالحصان وكل مواطن وحصانه وكلما زادت سرعات مكيفك كلما زادت مكانتك.
إذا كانت حالة المواطن تقاس فيها معيشته بالتكييف ومن قبل بشراء السيارات ومن سابق بشراء الموبايلات فإما أننا نفترى على الحكومة ولا نحمد الله على ما تفعله لنا أو أننا والله أعلم نعانى من حالة "التبتر" على النعمة التى توفرها لنا الحكومة وخاصة فى مجال الوظائف وسوق العمل.
فقد بشرتنا تصريحات معالى الوزيرة عائشة عبد الهادى التى تدعو خريجى الكليات النظرية للعمل "أفراد أمن" بالمولات التجارية، لأن "هذا هو المتاح" كما تقول.
وبنظرة سريعة على الواقع تجد أن طلاب الكليات العلمية لا يجدون الرعاية ولا يلمع اسمهم إلا بعد ذهابهم للخارج كأمثلة الدكتور زويل والدكتور فاروق الباز والدكتور مصطفى السيد وغيرهم أما من يعيشون الآن ومفترض أن يكونوا صناع حضارتنا بكونهم العلماء المنتظرين فإما أبحاثهم مرتمية فى أحضان الرفوف الغارقة فى كوم تراب أو أنهم ينتظرون الفرج والإفراج عن أبحاثهم التى تحقق نهضة وخير للبلد.
أما أصحاب الكليات النظرية من حقوق وآداب واقتصاد وعلوم سياسية وإعلام لا عزاء لهم أيضا وبدلا من الخروج للعمل فيما تعلموه فعليهم ان يختموا حياتهم كحماة ساهرين على أمن المولات التجارية وبالتأكيد ستلحقهم عين الحسود أيضا لأنهم بلا أبحاث مرمية أو دراسات غير معمول بها لكنهم أفراد أمن تلتقط عيونهم كل ما لذ وطاب من زائرات المول السعيد وهذا حل أيضا لمشكلة تأخر سن الزواج وبكده ضربت الحكومة كل العصافير بطوبة.
إن الحكومة التكييفية توفر لنا كلاما أخر مزاج يجعلك تلقى بيمين الطلاق على النكد فمع كل تصريح حكومى تتأكد أنه من الآن فصاعدا لا نكد مع الحكومة لأنها توفر لنا الضحك.. صحيح أنه الضحك علينا لكن كفاية إنه ضحك سواء بقى علينا أو علينا فعليك تحمد ربك وكفاية يا سيدى إنك تبقى متكيف سواء بالكلام أو المكيف الذى رزقت به أو عقبالنا صحبة لما نشتريه وسمعنى سلام "التكييف لأجل خاطر الدكتور نظيف".
