ليلة عيد الميلاد ذهب ابن أختى "فادى" – كالعادة - لقداس عيد الميلاد بكنيسة سان مارك بالإسكندرية. هذه المرة مصطحبا بعض أصدقائه من المسلمين طلبة الثانوى الذين فزعوا مما حدث ليلة رأس السنة، وأرادوا التعبير عن تضامنهم مع رفاقهم وجيرانهم. بعد تفتيشهم جميعا على بوابة الكنيسة، سمح الأمن لفادى بالمرور، بينما منع كل رفاقه المسلمين.
هل على "فادى" ورفاقه أن يوجهوا غضبهم أو انتقاداتهم تجاه الأمن الذى منعهم؟ أم تجاه مجتمع غير قادر على استثمار الخطوات الإيجابية والصحية التى يتخذها مواطنوه؟ أم تجاه رئاسة الكنيسة التى رحبت بالمبادرة، إلا أنها اشترطت – دون داع - موافقة الأمن عليها؟
أعتقد بأننا قد خسرنا فرصة استثنائية بمنع آلاف من المسلمين من فرصة قضاء ليلة عيد الميلاد مع أصدقائهم وجيرانهم من المسيحيين، وهو ما كان له أن يترك أثرا حقيقيا فى هؤلاء الشباب من رفاق فادى وغيرهم، ويشكل بداية للخروج من المأزق الذى يواجهنا.
فى مولد الوحدة الوطنية المنصوب حاليا، وهو ما سينفض حتى كارثة أخرى، ليس من المتاح توجيه النقد، حتى وإن كان ناعما للقيادات الدينية الرسمية، سواء كانت مسيحية أو مسلمة. وكأى مولد يتم الاكتفاء بتبادل الزيارات، القبلات، الأحضان، وتحميل المسئولية على "الخارج". وكأننا قررنا غض البصر عن الأسباب الحقيقية لكل هذا العنف الطائفي، التمييز الديني، الاحتقان، والرفض المتبادل بين المسلمين والمسيحيين.
فبرغم جريمة الإسكندرية، والمواجهات التى حدثت بعدها، نتوقف فقط عند الشق الأمنى والأخوى من المسألة، وإن عدنا للوراء فسنكتفى بالتوقف أمام أحداث العمرانية، قضيتى كاميليا ووفاء قسطنطين، و"معارك" الأنبا بيشوى وسليم العوا الإعلامية. ولا نتخطى الحاجز "المستحيل" للحديث عن جذور المأزق والدخول إلى المناطق الخطرة، مثل علمانية الدولة، ديمقراطيتها الغائبة، وحول الدور الذى من المفترض أن تلعبه المؤسسة الدينية فى مصر، سواء كانت الأزهر، دار الإفتاء، أو رئاسة الكنيسة.
مثلما لم يستثمر البابا شنودة مشاركة مسلمين للمسيحيين فى تظاهرات العمرانية، ليحول الأزمة إلى معركة كاملة من أجل حقوق متساوية لكل المواطنين المصريين على مختلف معتقداتهم، حرص على تجاهل هذه التفصيلة الهامة حتى لا يصعد الأزمة مع الحكومة. هو نفس الحرص الذى يجعله لا يستثمر رغبة آلاف المسلمين فى حضور قداسات عيد الميلاد.
رئاسة الكنيسة ما بين الحدثين – العمرانية والإسكندرية - منسجمة مع قناعاتها حول علاقتها بالسلطة، ودورها فى عزل قطاع هام من المواطنين المصريين (مسلمين ومسيحيين) عن المشاركة النشطة سياسيا ومجتمعيا. ومنسجمة أيضا مع دورها كسلطة دينية تابعة لسلطة أكبر، تبايع وتؤيد باسم رعاياها فى موالد الانتخابات والاستفتاءات، ترحب بتعيينهم فى مجلس الشعب، وترفض انغماسهم فى تيارات سياسية معارضة، بمنطق "المشى جنب الحيطة"، بالرغم من أن "الحيطة" لها عمر إفتراضى، و ربما تنهار فوق رأسك.
فى هذا السياق من الممكن فهم وصف رئاسة الكنيسة للشباب القبطى الغاضب الذى قام برشق الأمن بالحجارة، لمنعهم من حقهم فى التظاهر، بأنهم من العناصر المندسة!!
منطق المولد السائد حاليا يتناقض مع ضرورة البحث عن حلول حقيقية للمشكلة الطائفية. وهو ذات المنطق الذى يفرض على المواطنين المصريين، وبقسوة، حقيقة كون اليد الأمنية للدولة هى صاحبة الكلمة الأخيرة، وكأنها سوف تحل مشكلة التمييز والاحتقان الطائفى!! برغم مسئوليتها عن جانب هام من أزمات هذا المجتمع.
برغم فشلها فى حماية الكنائس والمواطنين تستثمر هذه اليد الأمنية للدولة المولد لتعزيز سلطتها أكثر، ولنتأمل ما نشرته جريدة الشروق ٥ يناير على لسان ما سمته بمصدر أمنى، أكد أن (ضباط الشرطة قادرون على حماية الكنائس.. ودور الشعب يقتصر على إمدادنا بالمعلومات)!! كأن مهمة المواطنين المصريين الوحيدة انحصرت فى أن يكونوا مجرد مخبرين لجهاز الشرطة، مخبرين بلا أجر، بعد إتمام مهمتهم عليهم الرجوع "لجحورهم".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة