يوما بعد يوم يتأكد لدينا الشعور بالدونية، والإحساس بالنقص حين نضع أنفسنا فى المكان الأدنى فى العلاقة مع إسرائيل، لنحتل فى الجملة غير المفيدة فى هذه العلاقة موضع المفعول به دائما والغريب فى ذلك أننا نحن الذين اخترنا هذا الموضع بأنفسنا دون أن يجبرنا عليه أحد إلا ظروفنا التعسة.. وإذا كان المفعول به فى علم النحو يعرب منصوبا دائما فإنه فى هذه الجملة بالذات يأخذ شكل "المجرور" أو "المكسور"!
منذ أيام ظهرت أسماك القرش المفترسة فى شرم الشيخ لتهاجم السائحات الأوربيات، لتفرض علينا حالة من الذعر بما تمثله هذه الظاهرة الطارئة من تهديد للسياحة التى تحتل مكانا مرموقا فى مصادر الدخل الوطنى من العملات الصعبة، وبدلا من أن نبحث عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الخطر الطارئ، وبعد أن أعيتنا الجهود بحثا عن أسباب معقولة ومنطقية له رحنا نلقى بالتهمة على إسرائيل، وقلنا إنها قامت بتدريب القروش على الانجذاب نحو نوع معين من الدهانات التى اعتاد بعض السائحين من هواة الغوص استعمالها للوقاية من الآثار الضارة لملوحة مياه البحر، ثم قامت بإطلاق تلك القروش المدربة على الافتراس فى مياه شرم الشيخ لإحداث الذعر فى الوسط السياحى ومن ثم الإقلال من عدد السائحين الوافدين غلى المنطقة بهدف ضرب أحد أهم مصادر الثروة الوطنية ، وإلحاق الضرر بالاقتصاد المصرى،
هكذا وجدنا التفسير السياسى المناسب لظاهرة القروش المفترسة فى شرم الشيخ بدلا من تفسير علمى أو بيئى لا تسمح به إمكانياتنا المتواضعة، ذلك لأن التفسير السياسى فى هذا المناخ المتسم بالدونية والشعور بالنقص تجاه إسرائيل هو الأقرب إلى التصديق واٌلإقناع من أيه تفسيرات أخرى!
ولعل ذلك يدعونا إلى استحضار صورة أخرى من صور "المؤامرة" التى تعتمدها إسرائيل فى علاقتنا غير المتكافئة بها وهى الصورة التى بدت فيها بعض البنات فى حالة "هياج جنسى" بعدد من المدارس بمحافظات مصر المختلفة.. فسارع بعض الصحفيين والإعلاميين بتقديم تفسير لها بنفس الطريقة التى اعتدنا عليها وهى طريقة "فتش عن إسرائيل"!
هذا هو التفسير الذى نرتاح إليه أكثر من غيره من تفسيرات أخرى لا نقدر عليها كلما تعرضت البلاد لإحدى الظواهر الغامضة التى نعجز عن فهمها، أو البحث عن أسبابها الحقيقية فمن أسماك القرش المفترسة إلى اللبان الجنسى إلى الأنفلوانزا بنوعيها – الخنازير أو الطيور – بل إلى ظاهرة تفشى بعض أفلام الجنس أو العنف فى السينما المصرية ثم أخيرا وليس أخرا بالتأكيد أحداث الفتنة الطائفية التى مرت بالبلاد فى الآونة الأخيرة.
هكذا أصبحت إسرائيل هى الشماعة التى نعلق عليها قصورنا أو عجزنا هروبا من المسئولية أو تحمل تبعاتها، وكأننا لا نزال فى حاجة لتأكيد عداوة إسرائيل لنا وإلحاق الضرر بمصالحنا.
والحقيقة أن من يقول ذلك إنما يحاول أن يوقعنا فى إيهام بأنه قام بواجبه وأدى ما عليه من التزامات لولا محاولات خارجية أ وأسباب خارجة عن إرادته لهز الاستقرار فى مصر وضرب الوحدة الوطنية وإلحاق الضرر بها وإفساد العلاقة الحميمة بين المواطنين ونظام الحكم.. فالفشل الذى نعانى منه والظروف السيئة التى نمر بها ترجع الأسباب فيها إلى جهات خارجية ولا يد لنا فيها!
لولا الشعور بالدونية والإحساس بالنقص السائد لدى مواطنينا لما أقدمت الحكومة على مثل هذه التفسيرات المضللة ولا صدقها أحد من الذين يشعرون بالراحة والاطمئنان مع الخداع والتضليل.
نعم ربما كانت إسرائيل هى التى تقف بالفعل وراء تلك الظواهر المثيرة للقلق، ولكنا نعلم أن اللص ما كان له أن يدخل البيت لو لم يكن أحد ساكنيه قد ترك له النافذة مفتوحة!!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة