مجد خلف تكتب: الاعتراف بالخطأ.. فضيلة

الأربعاء، 08 سبتمبر 2010 11:42 م
مجد خلف تكتب: الاعتراف بالخطأ.. فضيلة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيرا ما نقرأ عن بعض الأخطاء لبعض رجال الفكر سواء على الصعيد الفكرى أو الدينى، ولكننا لا نجد أحدا إلا ندرة تعد على أصابع اليد الواحدة من يقوم باعترافه بالخطأ الذى وقع فيه والحقيقة التى نخرج منها عند قراءتنا لمثل هذه الأخبار أن ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه قد ماتت وشبعت موتا واندثرت تحت أطنان هائلة من المؤثرات والتغيرات والظروف المحيطة بنا ولم نعد نرى ممن نعرفهم من مدراءنا وأساتذتنا ومفكرينا ومسئولينا سواء علت مراكزهم أو تدنت من يقبل أن يعترف أنه أخطأ وكأنهم معصومون عن الخطأ، نسى الجميع كبارا وصغارا أن الاعتراف بالحق فضيلة والإقرار بالذنب فضيلة أعظم، وأن من اعترف بذنبه أصبح كمن لا ذنب له، فعندما يعترف أى شخص أنه أخطأ فتلك دلالة ناصعة على تواضعه، والاعتراف بالخطأ دائما ما يكون مشفوعا بالاعتذار والندم على ما أقدم عليه الفرد بنية صافية ألا يعود إلى ما ندم على اقترافه.

وإننا للأسف الشديد نرى فى دول العالم المتقدم العديد من المسئولين يعترفون بأخطائهم ويعتذرون علانية على صفحات الجرائد وفى التلفزيون دون وجل أو خجل، ويستقيلون من مناصبهم، وقد يصل ببعضهم الندم ولوم النفس إلى الانتحار!

والحقيقة أن رؤية أى من المسئولين العرب يعترف بذنبه ويعتذر عنه هو مشهد يستحيل حدوثه، ولم تكتحل عيوننا بمرآه مرة واحدة، ولأن من شب على شىء شاب عليه، فقد تعود معظم العرب أن الاعتذار يقلل من قيمة الشخص وهيبته، مع إن العكس هو الصحيح فالاعتذار عن الخطأ يزيد المرء مهابة واحتراما فى نظر الآخرين، ولم نعد نرى أو نسمع عن مسئول يخطئ ويعترف ثم يعتذر، بل نجد أن من يخطئ يتمادى أكثر فى الخطأ، ولا يعتذر عما بدر منه أبدا وذلك على جميع الأصعدة.

ففى الشوارع العربية نرى مشهدا يتكرر فى معظمها مثلا نجد معظم قائدى السيارات يخطئون فى إتباع قواعد وقوانين المرور، ولا أحد يعترف أو يعتذر، فالكل يظن أنه لا يخطئ، البعض يقود سيارته كأن الشارع ملك له وحده، والبعض الآخر يقود بسرعة جنونية دون أدنى اعتبار للآخرين، وهذه هى الحال عند معظم الناس وفى مختلف مستويات الوظائف، فقد اندثرت من مجتمعاتنا العربية القيمة السامية العليا فضيلة الاعتراف بالخطأ، ولم تعد هذه العبارة موجودة فى قاموس مفرداتنا: أعترف أنى أخطأت .. آسف .. أعتذر، وأضحت هذه الكلمات ثقيلة على اللسان، وأصبحنا يركبنا الغرور ولا نقر بأخطائنا، وهنا نذكر آية من أجمل آيات القرآن، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) - الأعراف 201، يؤكد القرآن فى هذه الآية الكريمة أن كل بنى آدم- حتى المتقين- معرضون للخطأ، فإذا أدركوا خطأهم تذكروا فإذا هم مبصرون، كأنهم حين ارتكبوا الخطأ كانوا عميانا، فإن عادوا إلى أنفسهم واعترفوا بخطئهم، أصبحوا مبصرين.

ونحن حين نعلم أبناءنا الصدق مع أنفسهم ومع الآخرين، قد ننسى أنه يجب أن نربيهم- مع الصدق- على أهمية الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، بالقدوة أولا، فالفضيلة كلّ لا يتجزأ، وإلا أصبحنا ممن قال الله فيهم: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)– الصف 3، الله تبارك وتعالى يمقت من يقول ولا يفعل.

إن فضيلة الاعتراف بالخطأ هى أحد مفاتيح صلاح المجتمع، وبداية للتغير الحقيقى وإن اعتنقها الناس وطبقوها فى حياتهم وربوا عليها أبناءهم؛ حتما ستتغير أشياء كثيرة، وسيعم الخير فى المجتمع، ويبرأ من أدوائه المزمنة؛ من سوء الإدارة وتفشى الفساد فى التعليم والاقتصاد والسياسة والدين، فلنعد إلى إحياء ثقافة الاعتذار وفضيلة الاعتراف بالحق، وأن الاعتذار عنه ليس نقيصة إنما هو فضيلة بل قمة الفضائل ولنذكر قول أبى بكر الصديق رضى الله عنه عندما أصبح خليفة المسلمين: إن أصبت فأعينونى وإن أخطأت فقومونى، وقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه: رحم الله امرأ أهدى إلى عيوبى، وليبدأ كل فرد بنفسه كما قال صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك ثم بأخيك، وعملا بهذا الحديث الشريف سأبدأ بنفسى، وأعتذر لكل من أسأت إليهم دون قصد، وأقول لهم سامحونى.. أعتذر إن أسأت إليكم وأرجو مخلصة أن تتقبلوا اعتذارى قبل أن يأتى يوم يحاسب فيه العبد على ما اقترفت يداه ولا ينفع ساعتها ندم ولا توبة، وأختم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، وأرجو أن يجعلنا الله عز وجل من القوم الذين إذا قالوا فعلوا، والله من وراء القصد..

• سورية مقيمة فى مصر





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة