كل عام وأنتم بخير.. كل عام والأسعار بأفضل حال، بالطبع الحال الأفضل ليس بالنسبة للمستهلك بل لأصحاب تلك الأسعار.
فى بعض المناطق وصل سعر كيلو اللحم إلى 120 جنيهاً، وليس معنى ذلك أنك إذا أردت أن تشترى كيلوجراماً من اللحم البتلو المفتخر فإنك ستدفع هذا الرقم، فهناك مناطق ومحال توفر كيلو اللحم نفسه بنحو نصف هذا السعر أى بنيف وخمسين إلى سبعين أو ثمانين جنيهاً، لكن السقف الذى يصل إليه سعر سلعة ما هو بمثابة اختبار لإمكانية إنفاذ هذا السعر فى المستقبل (القريب عادة).
وأياً ما كانت الوسيلة التى تستقى منها معرفتك لأسعار السلع التى تحصل أو تتمنى الحصول عليها، فبالطبع بمجرد علم الكثيرين بمثل هذه الأسعار فلن يحاولوا أن يشتروا أو حتى يفكروا بشراء هذه السلعة، وبالتالى تكون مصادر معلومات الأسعار لديهم إما عن طريق وسائل الإعلام والجرائد أو حكايات الأصدقاء والأقارب والجيران.. أو حتى سؤال للجزار على استحياء.. (هى اللحمة بقت بكام النهاردة؟) مع تسارع فى ضربات قلب من يطرح السؤال خوفاً من هول تطور المفاجأة.
أما السبب وراء ظاهرة الغلاء هذا العام فهو، بحسب المسئولين، النمط الاستهلاكى للإقبال على سلعة بعينها، فالناس فى رمضان أو بالأصح على أبوابه يقبلون على شراء احتياجات البيت خلال الشهر الكريم دفعة واحدة، والسبب فى ذلك يكمن فى أمرين، أولهما: مخافة أن تنفد الكميات المطروحة فى الأسواق.. والثانى: مخافة أن ترتفع الأسعار، والنتيجة فى الحالتين ارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع الطلب فجأة مقابل المعروض، وإن كان كافياً لسد الاحتياجات الحالية والمستقبلية كذلك، وهذا الارتفاع يرسخ لدى المستهلك بالفعل الاعتقاد بأن الأسعار ازدادت ككل عام وأن قراره كان صائباً بشراء كمية كبيرة من السلعة (اللحم مثلاً)، ولا يخطر فى باله أنه ومن مثله السبب فى زيادة الأسعار، يا جماعة بجد الحكومة مظلومة فى الموضوع المرة دى، لكن يفوت الأفراد عادة القواعد العامة للسوق، أى قواعد العرض والطلب وسلوكيات التجار فى أى مكان، أو بالأحرى لا يكترثون لها، فلو أن المستهلك اشترى احتياجاته القريبة فقط ولم تحدث ظاهرة الإقبال الجماعى المفاجئ لم تكن الأسعار لتراوح مكانها إلى الأعلى كما فعلت، فالكميات المحدودة فى الأسواق والتسعيرة أو حتى الحد الأقصى للسعر، كل ذلك صار من قيم الماضى، إلا أنها لا تزال مترسخة فى ثقافتنا وعقولنا وعليها نبنى تصرفاتنا، الحقيقة أيها السادة أننا نضم قوانا إلى قوى البائع فى اتجاه رفع الأسعار فكيف لا ترتفع؟!
غير أن المشكلة الحقيقية ليست فى ذلك فقط، بل فى أن حياة المصريين كلها مناسبات جماعية، ومن مثلنا يقدر المناسبات الجماعية ويتفنن فى الإنفاق فيها!! مناسبات كلها مرتبطة بالطعام والإنفاق.. فرمضان تقريباً انتهى وبدأت ثورة الكحك والغريبة والبسكويت، ثم ما يلبث إلا أن يأتى عيد الأضحى المبارك وأزمة اللحوم من جديد، ثم حلاوة المولد التى أصبحت لا تقل فى أنواعها الفاخرة عن علب الكحك السياحى التى تباع فى ماركت محطات البنزين بسعر يقارب 400 جنيه، وعلى مر العام لا تكاد تمر فترة إلا وتصادف مناسبة للطعام والهدايا، حتى أنه يتبقى أن نمزج احتفالنا بتحرير سيناء وثورة يوليو بنوع من الطعام والإنفاق فى الاحتفال عليه، حتى صار ذلك مكوناً أساسياً فى نمط حياتنا، حتى إن معظم النزهات واللقاءات خارج وداخل المنزل ذات علاقة بالطعام تحديداً الطعام المكلف حتى وإن زاد ضرره على الفائدة منه.
الحقيقة أن طريقة حياتنا ونمط التصرفات الاجتماعية التى نعيشها أحد أهم عوامل ارتفاع الأسعار والغلاء الذى نعيشه، لا فقط جشع التجار والأسعار العالمية وضعف المرتبات وعجز الحكومة عن ضبط الأسعار، صدقونى المرة دى الحكومة مظلومة بجد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة