عبد الناصر عبد الرحيم يكتب: الغزو الثقافى والهوية

الأحد، 05 سبتمبر 2010 11:47 م
عبد الناصر عبد الرحيم  يكتب: الغزو الثقافى والهوية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ماذا أعنى بالغزو الثقافى؟ إننى أعنى بالضبط (ذلك التفاعل غير الحر وغير المتكافئ المفروض بقوة نوايا الغزو وقوة إمكانات الغزو وذلك بقصد واضح هو التأثير بشكل ما مقصود ومخطط يمارسه شعب فى ظرف تملكه لكل وسائل التقدم على شعب آخر فى ظروف افتقاره لمعظم وسائل هذا التقدم بقصد الإلحاق الحضارى)، فليست وسائل الغزو الثقافى.

الكتاب أو الشريط السينمائى وحسب، ليست الأفكار والنظريات الأجنبية وحسب فهذه قد تأتى بالدرجة الثانية، أداة الغزو الحقيقية هى: السلع الاستهلاكية، الآلة ذاتها، الإعلام، عدوى المجتمع المتقدم الذى ينتقل إليه اليوم بكثرة أبناء العالم غير المصنع ويعتقدون أن محاكاتهم لعاداته وتقاليده تدخلهم فى الحضارة الحديثة، وفى الواقع إننا لا نمتلك هذا العالم بل إن هذا العالم فى وجهه السلبى هو الذى يتملكنا ليس فقط أشياء الاستهلاك الغازية بل أيضا الأفكار والثقافة بالمعنى العالى، ميدان العلوم والآداب والفنون، إن البلد المتخلف أو غير المصنع الذى يستهدف حقا رد الغزو الثقافى والتغلب عليه، عليه أن يرسم خطة كاملة للتحديث وانطلاقا من شخصيته القومية، فالتحديث والتعريب هما طريقنا نحن إلى الاستقلال الكامل أقصد استقلال شخصيتنا واستقلال الشخصية الحضارية والقومية هو الأساس الذى يقوم عليه الاستقلالان السياسى والاقتصادى، والتحديث الذى أقصده هنا هو تحديث الإنسان فردا وجماعة، أقصد إعادة إنشائه بشكل ينقله تدريجيا من عالمه القديم المتخلف إلى عالم الحداثة، التحديث هنا موقف.. هو عقل وإنسان ونقطة الإبتداء فيه اللغة وقد تكون نقطة الانتهاء، إن الغزو الثقافى ما كان ليحدث لولا قابلية المجتمع العربى له بسبب تفكك بنيته، وركوده الفكرى، وسيادة الإتباع، وغياب المدرسة العقلية، إذ من المسلم به فى غياب الإبداع أن تزداد قابلية التلقى من اللآخر وقد جاء هذا التلقى مرفقا بالمد الإستعمارى الذى يتزرع حينا بحماية الأقليات، وحينا بالحصول على الامتيازات، فى أحيان كثيرة إتخذ شكل إرساليات تعليمية، ومدارس تبشيرية ، وحركات استشراق تبث الشكوك فى الموروث العربى بكل أبعاده فضلا عن محاولات الإستعمار فى تفريق المجتمع إلى طوائف يفرق بينها فى القضاء والتعليم، مما ينسف مفهوم المواطنة، ويغيب الشعور بالانتماء العربى تمام التغييب، وقد يسأل سائل: وماذا عن التنمية التى نحياها ؟ أقول: إنها تنمية إستهلاكية مادية تنتج مجتمعا مستهلكا تابعا للاقتصاد العالمى أو للنموذج الخارجى، ولا تبنى شعبا منتجا، وهى أيضا تنتج مواطنا مستهلكا يهتم بالاستهلاك ولا يهتم بالقيم، لأنها قائمة على هذا الأساس، ولأن الذين وضعوها لم يفكروا بالإنسان، إن حلولا كثيرة تطرح على الصعيد العربى بعضها تقدمى فى شعاراته، وبعضها رجعى سلفى فى برامجه وسأكتفى هنا بمناقشة الحل المعتمد على العودة إلى الماضى، الحل السلفى، التراثى إن هذا الحل هو نوع من العودة الانتقائية، لماذا يختار عصر من العصور العربية ليعتبر نموذجا؟.

إن عصر الخلفاء الراشدين، عصر عظيم، وإن عمر بن عبد العزيز خليفة عظيم، ولكن هذه الفترات من تاريخنا وليست كل تاريخنا، لماذا لم يستطع السلف الصالح كله أن يتبع وأن يحذو حذو الخلفاء الراشدين ؟ وهذه قضية بحاجة إلى سؤال، وهل يستطيع هؤلاء الناس، هؤلاء الدعاة الذين يدعون اليوم للعودة إلى الماضى أن يصبحوا وريثا للخلفاء الراشدين؟، حيث فشلت أجيال إمتدت لأكثر من ألف وثلاثمائة سنة، القضية بحاجة إلى سؤال آخر ما هى أسباب هذا العجز والفشل ؟ هل كانت فى ذات هؤلاء الناس؟ من حقنا أن نعتز بعهد الخلفاء الراشدين وأن نعتز بالتراث الثقافى الذى تركه العهد الأموى، والعهد العباسى، ومن واجبنا أن نحترم ذلك كله، فهذا جزء من تاريخنا نعتز به، ولكن العودة إلى هذا التراث فقط بإعتباره نموذجا صالحا لكل زمان ومكان، هو نوع من الهروب من مواجهة المشاكل الراهنة، ثم بالنسبة لهؤلاء الدعاة الذين يدعون إلى هذه العودة من هم؟، إن جماعة مثل الإخوان المسلمين أو الجماعات الدينية الأخرى التى تطالب بالعودة إلى الماضى بأشكاله المختلفة لو أردنا أن نفكر ببرنامجها السياسى الراهن وبمواقفها السياسية الراهنة لاكتشفنا أن مهمتها الأساسية، تدمير وجود الأمة العربية فكل منها يطرح أنه مثلا، لا وجود للعرب إلا بالإسلام، ليس هناك أمة عربية بل هناك أمة إسلامية، إن الذين يحاولون أن ينكفئوا إلى الماضى، بحجة الدفاع عن الأصالة والتراث، باعتبار الماضى كاملا، تاما، ناضجا، صالحا لكل زمان ومكان هؤلاء لا يهيئوننا لمقاومة حقيقية، إن العودة إلى التراث يجب أن يعنى تمثل هذا التراث والاعتزاز به باعتباره ثقافة قومية، هذه الفئات التى تريد أن تواجه الغزو الثقافى تحاول أن تواجهه بالتهرب من العلم الحديث، ولم تواجه ثقافتنا العربية فى العهود العربية الزاهرة، الثقافة الأجنبية بالهرب منها بل واجهتها بترجمتها، ودراستها، والتعامل معها، ونقدها، وبهذا أصبحت لنا ثقافة عظيمة، وبعد هذا كله أعود إلى النقطة المركزية، إننى أرى بأننا مطالبون بأن نعود إلى رفع الهوية القومية برنامجا، وشعارا، فلا مواجهة إلا بالهوية القومية، ولا نهضة إلا بإستعادتها والنضال من أجلها، فأنا لا أطرح الهوية القومية بإعتبارها تراثا فقط، ولا باعتبارها تاريخا فقط، فالهوية القومية هى التاريخ، وهى التراث، ولكنها هى المواطنون الآن، المواطنون العرب الطامحون أيضا إلى مستقبل زاهر، والهوية القومية لا تمثل إنغلاقا ثقافيا، ولا تمثل انقطاعا عن الثقافات والحضارات، تمثل ذاتا تتفاعل مع الحضارات الأخرى، فالحل القومى من وجهة نظرى هو الحل ولا حل سواه، والحل القومى على أساس ديموقراطى يقوم على أساس أن هذه الجماهير العربية مطالبة بإستعادة وحدتها، باستعادة قوتها لتواجه الغزو الثقافى السياسى، ولتستطيع أن تبنى الحضارة العربية الجديدة وتمنع تحقيق البرنامج المعادى فى تصفية شخصية الأمة العربية وتصفية وجودها (إن الشخصية القومية تصنع ولا تورث).






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة