أيام قلائل ونودع شهر رمضان الفضيل بكل نفحاته العطرة وسنظل لأسابيع مقبلة نعانى من التخمة المفرطة التى أصابتنا، جراء سيول وأعاصير المسلسلات والبرامج الحوارية التافهة الباحثة عن عورات الشخصيات العامة لنشرها على مرئ ومسمع الجميع بلا حسيب ولا رقيب، وأيضا الإعلانات وتلك هى بيت القصيد. فطوال رمضان تابعنا على شاشات القنوات الأرضية والفضائية كما هائلا من الإعلانات الداعية والمحفزة على المشاركة فى أعمال خيرية عبر التبرع لبناء مستشفيات متخصصة فى علاج أمراض خطيرة تفتك بالكبار والصغار، وكفالة قرية، بعد أن كنا لوقت قريب نكفل يتيما، وهلم جرا، ولكى تكتسب هذه الإعلانات مصداقية وتلقى الرواج المخطط له فانه يتم الاستعانة بكثير من المشاهير فى عالم الرياضة والفن والدعاة الجدد الذين تحولوا لفكاهة المجالس.
للوهلة الأولى فان هذه النوعية من الدعوات محمودة ومشكورة ولا غبار فيها، وستجد من يدعو المولى عز وجل للإكثار منها، حتى يعم الخير والتكافل الاجتماعى ربوع مصرنا الحبيبة، انطلاقا من باب أن كل مواطن منا يجب أن يسهم ويشارك فى إعالة ومساعدة الفقراء والمحتاجين وما أكثرهم. المبدأ لا خلاف ولا جدال عليه، ولكن لابد أن ننتبه لأمر جلل غير واضح للكثيرين منا فى هذه الإعلانات التى تكلف أصحابها ملايين الجنيهات لبثها، وهو أننا غير مطالبين بالقيام بالدور المنوط بالدولة القيام به. فالدولة من واجباتها الأساسية الرعاية الصحية بكل ما يندرج تحتها من متطلبات، مثل بناء المستشفيات والمراكز الطبية والدواء وإعداد الكوادر الطبية .. الخ.
غير أن الواقع يظهر أن الدولة تريد رفع يدها عن هذه المهمة، وفى المقابل تنقل العبء الثقيل المزعج لكاهل البسطاء من المصريين الذين يشعرون بضعف أمام حملات الدعوة لعلاج مرضى السرطان والكبد وغيرهما من الأمراض التى يستلزم علاجها أموالا طائلة لا تتوافر لدى الغالبية العظمى من المرضى. من المقبول أن نسهم بجزء من النفقات وليس تحملها كاملة، فالعمل التطوعى لا يلغى الدور الحكومى، فهو عامل مساعد، أما أن ينقلب لدور محورى فذاك غير مستساغ ويتعين ألا يقبل.
وبدون التشكيك فى نوايا وبواطن أحدا من القائمين والمنظمين لهذه النوعية من الحملات الخيرية أتساءل: ما الذى يضمن لى كمتبرع أن ما دفعته من حر مالى الذى جمعته بجهدى وعرقى، حتى ولو كانت جنيهات معدودة، سوف تستغل فى المشروع المعلن عنه، سواء كان بناء مستشفى او كفالة أيتام ومساعدة الأسر الفقيرة، وما هى الوسائل الرقابية الموجودة للتأكد من أوجه إنفاق الأموال الحاصلة عليها؟
ولكى أكون واضحا تماما وضوح الشمس، فان كلامى لا يقصد به الامتناع عن عمل الخير والحض عليه، وإنما ما اطمح للالتفات إليه أننا غير مطالبين بالإنابة عن الدولة فيما يتحتم عليها القيام به من ادوار ومهام، وان نظرت مليا لحياتنا اليومية سوف تكتشف انه بات محتم علينا ألا نركن للحكومة فى اى شئ ابتداء من التعليم والصحة ووسائل النقل وانتهاء بشراء رغيف الخبز وتوفير المياه والكهرباء، أذن ما الذى تقوم به الدولة بالضبط؟. نعم من واجبى وواجبك أن نقف يدا بيد مع الدولة عند الشدائد والمصائب، إذا لا قدر الله كنا فى حرب أو تعرضنا لكارثة طبيعية كزلزال أو سيول وفيضانات أو ضائقة اقتصادية، أما أن نتولى نحن المهمة من الألف للياء فهذا ما لا يصح، فمصر هى المسئولة عن كفالة أبناءها صغيرهم قبل كبيرهم، ولذا أدعو لإعادة النظر جيد فى طوفان حملات اكفل مصر تحت مسميات وعناوين براقة لعمل الخير.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة