جلس فاروق حسنى على مقعد وزير ثقافة مصر عام 1987 خلفا للراحل الدكتور أحمد هيكل، ومثل هذا الاختيار مفاجأة غير سارة للوسط الثقافى المصرى، فلم يكن الكثيرون يعلمون شيئا عن فاروق حسنى باستثناء أنه مدير الأكاديمية المصرية للفنون فى روما، ومن شاهدوه قبلها فى القاهرة يتذكرونه وهو يرتدى بنطلون جينز ويضع حقيبة صغيرة على كتفه ويرتاد معارض الفنون التشكيلية.
أول لقاء جمعنى بفاروق حسنى كان بعد أشهر قليلة فى مكتبه فى شارع شجرة الدر، ذهبت مع صديقى العزيز أحمد مصطفى الذى كان يعمل صحفيا بجريدة الشعب قبل انتقاله إلى لندن ليصبح أحد أبرز مذيعى القسم العربى فى هيئة الإذاعة البريطانية، التقينا محمد غنيم وكيل أول وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية وسمير غريب الذى كان مستشارا صحفيا للوزير فى ذلك الوقت، قبل أن ندخل مكتب الوزير لنحتسى معه فنجالى قهوة.
خرجنا من مبنى وزارة الثقافة باتفاق على موعد آخر لإجراء حوار مع فاروق حسنى فى منزله فى المعادى، لكن الملاحظة المهمة التى توقفنا عندها أنا وأحمد مصطفى هى أن أيدى العاملين فى وزارة الثقافة ناعمة جدا، وتساءلت هل تستطيع الأيدى الناعمة بناء ثقافة حقيقية فى مجتمع أكثر من نصفه يعانون من أمية حقيقية ولا يجيدون القراءة والكتابة، ومن أصحاب الأيدى الخشنة جدا.
فى المرة التالية ذهبت إلى فاروق حسنى فى منزله فى المعادى قبل أن ينتقل منه بعد ذلك إلى كورنيش النيل فى الجيزة، ثم بنى بعدها قصرا فى منيل شيحة على النيل مباشرة، يرى الكثيرون أن هذا القصر الفخم والمنيف يعتدى على النيل، مثل قصور غيره من علية القوم وكبار رجال الأعمال أمثال صلاح دياب وعائلته، لكننى لم أذهب إلى فاروق حسنى فى قصر منيل شيحة، وكان اللقاء الأخير فى شقة المعادى، وجرى تصنيفى بعدها باعتبارى معادٍ له لدفاعى عن الآثار وبسبب علاقة صداقة جمعتنى بالمرحوم الدكتور أحمد قدرى الرئيس الأسبق لهيئة الآثار.
بعد سنوات طويلة وتحديدا قبل عامين شاركت فى برنامج حالة حوار فى التليفزيون فى مواجهة مع فاروق حسنى، وقلت إن فاروق حسنى فنان تجريدى عظيم يحظى بشهرة عالمية وتباع لوحاته بمبالغ ضخمة، لكننى ومعى الكثيرون من الشعب المصرى لا نفهم من هذه اللوحات شيئا، تماما كما هى سياسة وزارة الثقافة التى تبدو مثل لوحة تشكيلية لا يفهمها أحد ولا تصل للمواطنين فى القرى والنجوع.
باختصار شديد تعامل فاروق حسنى مع الثقافة فى مصر باعتبارها لوحة تشكيلية فقضى على الدور الذى كانت تلعبه قصور الثقافة فى نشر الوعى الثقافى والفنى والسياسى فى كل أرجاء مصر، أنا شخصيا أدين بالكثير من تشكيل شخصيتى لقصر ثقافة المحلة الكبرى، لأنه كان فى مصر وزير ثقافة عظيم اسمه ثروت عكاشة أسس كيانا ضخما ومهما اسمه هيئة قصور الثقافة وتولى رئاستها حين ولدت المرحوم سعد الدين وهبة.
والملاحظة المهمة أن ثروت عكاشة كان من الضباط الأحرار، أما سعد الدين وهبة فكان ضابط شرطة، وأنتج الاثنان الكثير من الأعمال الثقافية المهمة بشكل شخصى وعام، لأنه كان هناك مشروع ثقافى مصرى حقيقى، وليست مجرد مهرجانات للنخبة والمثقفين فقط كما يفعل صديقنا فاروق حسنى، فالثقافة فى عهد ثروت عكاشة كانت تستهدف أصحاب الأيدى الخشنة، بينما ثقافة فاروق حسنى لا تنظر إلا لأصحاب الأيدى الناعمة الذين ينتمى إليهم الوزير ومعظم من يعتمد عليهم فى وزارة الثقافة.
الثقافة الناعمة التى بشرنا بها فاروق حسنى طيلة 23 عاما، لم تؤد إلى زيادة الوعى الثقافى لدى الناس، ولم تساهم فى محو الأمية الثقافية، بل يمكن القول إن ما تعانيه مصر الآن من تراجع ثقافى كبير ومخجل، ومن انتشار لأفكار ظلامية وقوى التطرف هو نتاج ثقافة الأيدى الناعمة التى انتهجها فاروق حسنى، وأدت إلى تخريب مصر والمواطن المصرى والشخصية المصرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة