كريم شريف يكتب: رحلة الحزن

السبت، 04 سبتمبر 2010 02:32 م
كريم شريف يكتب: رحلة الحزن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وإيه يعنى، تسرق لوحة أو ألف.. من مهتم؟
هل رأيت غضبا شعبياً على الحكومة مثلا، لأنها لم تعرف كيف تحافظ على مثل هذه القيمة؟ هل سرت شائعات فى البلد باحتمال تغيير الوزارة لأنها فشلت فى مهمة بتفاهة تأمين لوحة فى متحف؟ ولا الهوا، ولا حد زعلان، ولا حد فاضى يزعل، لكن لو كنت قد قررت أن تحزن على ضياع لوحة بقيمة وأهمية وندرة لوحة فان جوخ، فدعنى أزيدك من الحزن بيت، لعلك مثلى لم تكن قد زرت المتحف المصرى فى التحرير من قبل، وتتصور أنه يشبه المتاحف التى تظهر فى التليفزيون، إضاءة ناعمة، قطع أثرية فى صناديق زجاج شديد النظافة والبريق، معلومات وافية عن كل قطعة معروضة، زائرون لا يستطيع أحدهم الاقتراب من أى أثر بمسافة أمتار ربما، مساحة منظمة بين القطع المعروضة تسمح لك بالمرور دون أن تشعر أنك (مزنوق وراء الدولاب)، أجهزة إنذار ستنطلق إذا ما فكرت بلمس أى من القطع الأثرية.

إن كنت هذا الساذج كما كنت أنا، فدعنى آخذك فى رحلة فى هذا-عفوا- المتحف، وإن سألتنى أن أسمى لك هذه الرحلة، فاختيارى سيكون (رحلة الحزن) .

لن أبدأ لك الرحلة بالطريق إلى المتحف على هذا الرصيف الخرافى الذى بالطبع عرفته ألف مرة إن كنت مثلى تأتى عادة من اتجاه عمر مكرم، الرصيف الذى لا تعرف كيف تصل إليه دون أن (تتشعبط) على السور الحديد الأخضر الذى يحول بينك و بينه، ولا سأحدثك عن بوابه المتحف الحديدية المفتوحة ربع فاتحة والشرطى الذى يقف عليها بمدفع رشاش معلق على كتفه تشعر أنه فى انتظار أمر الضرب، سأبدأ معك من أول الدخول إلى قلب المتحف، هل تعرف منظر الرخام المركب فى أرضية محل فول لم يتجدد من ٣٠ سنة؟

هذا ما يوحيه لك منظر أرضية المتحف المصرى جدا، لكن يظل الجانب المشرق أنه على الأقل يوجد فى الدور الأول رخام، فليس أكيدا أن تجد هذا فى كل مكان آخر من المتحف الذى يكسو أرضيته اختراع ربما رأيته أو رأيت شىء يشبهه فى أرضية المطابخ متوسطة الحال، أظن أن اسمه (قنالتكس)، ولو دفعك قدرك للذهاب إلى هذا المتحف وإلى هذا الجزء منه فاحذر الحفرة التى قد تكفيك على وشك إن لم تكن عيناك فى وسط قدمك، ما علينا، أنت أكيد متعود على هذا المنظر، لكن أظن أن هناك منظرا أنت لست معتادا عليه، لامبتين نيون بـ (ستارتر) داخل قطعة أثرية فرعونية، أظنها تابوت، والهدف من النيون هو أن هذه القطعة مكونة من جزئين، والجزء العلوى لا تستطيع أن ترى النقش بداخله إلا إذا قلبته، فوضعت مرآة تحته ولمبتين نيون بـ(ستارتر) حلوة؟

فيه الأحلى، فزورة، ما الفرق بين التابوت الفرعونى والبانيو؟ الإجابة: ولا أى حاجة، بعد ما تعدى النيون بكام خطوة على الشمال وفى إضاءة تجيبلك اكتئاب، يوجد شىء يبدو أنه تابوت، لكن هذا مجرد تخمين، لأن هذا الاختراع غير مكتوب عليه أى شىء من أى نوع بأى لغة مثله مثل الكثير جدا غيره من القطع، فأنت وذوقك، تقدر تحسه تابوت أو بانيو أو صندوق من غير غطا، أنا عن نفسى حسيته بانيو، لكن الفرق الوحيد أن البانيو فى ظروف مماثلة كانت ستمتلئ أرضيته بالطين، لكن الحمد لله، فلا يوجد غير قطعة أو قطعتين من كتل تشبه كتل التراب التى تجدها فى فلتر المكنسة، وتسعون فى المية هى بالفعل كتل تراب، لأنى عندما نفختها تحركت، ولا أستبعد أن تكون من فلتر مكنسة.

الآن وقت الصعود إلى دور آخر، لكن احذر من أن تعطى الأمان على السلم وتحتك دون أن تقصد بالحائط، لأنه يوجد بها قطع (لسة متمعجنة( ولا أدرى إن كان هذا المعجون جاف أم لا، فلا داعى للمجازفة.

فى هذا الدور تنتشر صناديق العرض الزجاجية أكثر من منطقة (البانيو) مما يجعلك تلحظ هذا الذوق الرفيع فى تصميم و تصنيع صناديق العرض، خشب بنى يشبه فى بعضه (ضرف) مطبخ قديم، أنصحك ألا تلمسه إن كنت من الموسوسين من موضوع النظافة، زجاج، لكن للأمانة لم أجد غير قطعة أو قطعتين فقط مكسورتين، وهل تعرف قفل العجلة بتاعت حضرتك وأنت صغير؟ أخوه ستجده يغلق صناديق العرض، (من أجل الأمان يعنى)، باقى أن أحدثك عن بعض الأشياء قبل أن أدعوك أن تذهب لتخوض التجربة بنفسك، فربما كنت سوداوياً فى نظرتى للأمور، فمثلا إن كان اسمك محسن وحبيبتك اسمها سوسن، فاذهب إلى المتحف وجرب أن تكتب على أى من القطع الأثرية المعروضة دون أى غطاء أو حاجز: محسن- ارسم قلب- سوسن، لأن كده كده أنت تقدر أن تقترب وتضع يدك وتسند حتى على هذه القطع، فلا مانع من التجربة، شىء آخر إن حدث وذهبت إلى (متحف مصر) و خرجت دون أى ذبحات صدرية أو جلطات، فاذهب إلى مجلس الوزراء فى شارع القصر العينى بجوار المتحف وقدم طلباً للحكومة أن تهدى كل آثارنا وكنوزنا وفنوننا إلى دولة على استعداد أن تحترم هذه الكنوز، ولو كنت تريد نصيحة أوقع، روح اشترى موس بربع جنيه وقطع شرايينك واخلص.. لك الله يا مصر.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة