◄◄البدعة التى انتصر بها «سياج» وتلقفتها «ماليكورب» ويهدد بها مستثمرو «مدينتى»
هل تدفع أزمة بطلان عقد «مدينتى» والجدل الدائر حولها الآن المستثمرين المصريين للبحث عن شريك أجنبى لحماية مشاريعهم فى مصر واللجوء إلى التحكيم الدولى فى حالة حدوث أزمة؟
خبراء القانون يرجحون هذا الاتجاه الآن ويتوقعون أن تشهد الفترة المقبلة تدافع المستثمرين للبحث عن «شريك أجنبى» يمثل الضمانة والحماية للاستثمارات و«كارت أحمر» يشهرونه عند اللزوم فى وجه الحكومة إذا تعرضت مشاريعهم لبطلان تعاقد أو لتفسيرات إدارية وقانونية، ومعنى ذلك أن الشركاء الأجانب فى مصر هم أسعد حالا وأهنأ بالا من المستثمرين المصريين الذين قرروا الاعتماد على الذات فى إقامة مشاريعهم بشعار «صنع فى مصر».
ما قد يشجع المستثمرون المصريون ويدفعهم دفعا إلى حل الشريك الأجنبى فى مواجهة عواصف الأزمات فى الداخل هو الحماية التى وفرها التحكيم الدولى فى الكثير من القضايا التى لجأ فيها مستثمرون أجانب ومصريون إلى التحكيم الدولى وحصلوا فيها على تعويضات ضخمة كبدت الخزانة المصرية أموالا طائلة واحتكم الشريك الأجنبى مع المصرى إلى اتفاقية أكسيد الدولية والموقع عليها من 156 دولة من بينها مصر بالطبع وهى الاتفاقية التى توفر للمستثمر الأجنبى نظاما دوليا يضمن له مقاضاة الدولة المضيفة لاستثماراته مباشرة.
فقد خسرت الحكومة قضايا شهيرة خلال العقدين الأخيرين أمام التحكيم الدولى وكان أشهرها على الإطلاق قضية رجل الأعمال من أصل مصرى وجيه سياج الذى كسب فى التحكيم الدولى تعويضا قدره 134 مليون دولار نتيجة مصادرة مشروعه فى طابا بعد نزاع قضائى فى مصر والخارج استمر 13 عاما، وقضية شركة ماليكورب البريطانية التى كبدت مصر حوالى 530 مليون دولار وتعود القضية إلى أغسطس عام 1999، حينما أعلنت هيئة الطيران المدنى عن مناقصة إنشاء مطار رأس سدر وإدارته، التى تم فيها اختيار عرض شركة ماليكورب وتوقيع العقد معها فى 28 مايو 2000، إلا أن الحكومة المصرية ألغت العقد فلجأت الشركة للتحكيم الدولى فى مدريد الأسبانية حيث تقرر الحجز على ما يوازى 530 مليون دولار من أموال وزارة الطيران بالبنوك الخارجية لصالح الشركة البريطانية.
وقبل هاتين القضيتين الشهيرتين خسرت مصر قضايا أخرى أمام التحكيم الدولى منها قضية هضبة الأهرام، عام 1983 بإلزام الحكومة المصرية بسداد نحو 16.75 مليون دولار أمريكى سبقها حكم آخر عن ذات القضية أمام غرفة التجارة الدولية بباريس بمبلغ 12.5 مليون دولار، وقضية «وينا للفنادق» وحكم لصاحب الشركة بتعويض قدره 20 مليون دولار لاكتسابه الجنسية المصرية والبريطانية، وقضية شركة «أسمنت الشرق الأوسط للشحن والتفريغ»، وقضى فيها بإلزام الحكومة المصرية بدفع 4 ملايين دولار تعويضا للشركة. ومازالت هناك قضايا أخرى تنذر بخسارة أخرى أكيدة أمام التحكيم الدولى.
وفقا لتقرير حديث لوزارة الاستثمار فان حجم مشاركة الأجانب تبلغ 25 مليار دولار و39 مليون دولار كرأسمال أجنبى مشارك فى الاستثمارات المصرية فى نحو 70 ألف و890 شركة بتدفق فى رأسمال يمثل 162 مليارا و588 مليون دولار فى حين بلغت مساهمات المصريين فى هذه الشركات نحو 118 مليارا و625 مليار دولار وبلغت مساهمات العرب 18 مليارا و 932 مليون دولار.
ويشير التقرير إلى أن الشركاء الأجانب من (بريطانيا) يتصدرون قائمة المساهمات الأجنبية فى مصر فى نحو 1084 شركة بنسبة تدفق فى رأس المال بلغت 15 مليارا و122 مليون دولار وبلغت نسبة المساهمة بالجنسية 5 مليارات و399 مليون دولار.
وجاءت فى المرتبة الثانية السعودية بنسبة مشاركة بالجنسية بلغت 4 مليارات و997 مليون دولار فى 2508 شركة بتدفق فى رأسمال المال 20 مليارا و131 مليون جنيه، ثم فرنسا بعدد 558 شركة بـ7 مليارات و706 ملايين دولار.
ثم أمريكا بعدد 914 شركة بتدفق فى رأسمال بلغ 6 مليارات و925 مليون دولار بنسبة مساهمة فى الجنسية بمليار و847 مليون دولار وإسبانيا بنسبة مشاركة فى الجنسية بمليار و15 مليون دولار.
ووصلت الشركات السويسرية 3160 شركة بنسبة مشاركة فى الجنسية بلغت 636 مليون دولار.
وبلغت المساهمات الألمانية عدد 753 شركة بنسبة مشاركة أجنبية وصلت إلى 525 مليون دولار.
ووصلت مساهمات الصين فى عدد 1092 شركة بنسبة مشاركة فى الجنسية بنحو 331 مليون دولار. وكندا فى نحو 336 وشركة بنسبة مشاركة فى الجنسية بلغت 309 ملايين دولار.
وبلغت مساهمات إيران فى 12 شركة بنسبة مشاركة فى الجنسية 129 مليون دولار.
وبلغت مساهمات إسرائيل فى مصر بـ8 شركات بنسبة مشاركة فى الجنسية 38 مليون دولار.
وكما يرى بعض الخبراء فإن تلك المشروعات لديها الحماية وميزة تحسب لها كافة الأطراف كما حدث فى قضية سياج.
عصام سلطان المحامى والخبير فى قضايا التحكيم الدولى ومنازعات الاستثمار يؤكد أن معظم المستثمرين ورجال الأعمال المصريين يضطرون إلى الاستعانة بشريك أجنبى أو عربى فى مشروعاتهم لحمايتها من القرارات والتصرفات المتخبطة، أو التأميم والمصادرة ويلجأ المستثمرون الأجانب والعرب عند المساس باستثماراتهم إلى التحكيم الدولى الذى يقضى بتعويضات ضخمة مثلما حدث مع وجيه سياج.
وأضاف سلطان أنه عند التحدث عن قضية «مدينتى» نرى أن اللجوء إلى التحكيم الدولى لا يجوز قانونا لأن هناك قاعدة قانونية ثابتة وهى أن العقد شريعة المتعاقدين، وفى نصوص العقد المبرم بين «طلعت مصطفى» والدولة ممثلة فى هيئة تنمية المجتمعات العمرانية الجديدة، لا ينص العقد على أنه فى حالة وجود خطأ فى الإجراءات القانونية، يمكن للشركة أن تلجأ للقضاء الدولى.
ويتفق الفقيه الدستورى الدكتور إبراهيم درويش فى أن نظام الشريك الأجنبى فى المشروعات المصرية هو المخرج الذى يتم استخدامه مؤخرا للخروج من الأزمات التى تواجهها الشركات المصرية مضيفا أن الأزمة الحقيقية فى مصر حالياً تتمثل فى ضعف النظام السياسى.
وأضاف درويش أن التلويح باللجوء للتحكيم الدولى فى هذه القضية باطل لأن الشركة التى اشترت الأرض والأرض مصرية مشيرا إلى أن الدولة بها قانون وعلى الجميع فيها أن يتصرف فى الأمور وفقا لقاعدة قانونية، وهو عكس ما حدث فى أرض مدينتى لأن وزير هيئة المجتمعات العمرانية تصرف فى هذه الأرض وكأنها ملكية خاصة له بغير استناد إلى القانون.
ومن جانبه اقترح الفقية الدستورى الدكتور يحيى الجمل حلا لإنهاء الأزمة الحالية فى «مدينتى» وقال إننا يجب أن ننظم الموضوع على المدى القريب والمدى البعيد، فى المدى القريب أن تقوم اللجنة القانونية المشكله بتنفيذ الحل الأنسب كما يرون إما بطرح مناقصة جديدة أو غير ذلك، أما على المدى البعيد لابد أن نعود للنظام السياسى الذى لدينا كله ونضيف إليه القانون وإرادة الناس والمصلحة العامة والشفافية.