قبل تسعة أيام من سرقة لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمد محمود خليل والسيدة حرمه، قال فاروق حسنى للجمهورية (العدد الأسبوعى) إنه يتمنى أن تتحقق شائعات خروجه من الوزارة، لأن عنده مليون عمل مؤجل، وقال أيضا إنه يجيد فن التصدى وليس التصادم، وإنه لن يسمح لأحد بحرق تاريخ مصر، وأن مهمته الدفاع عن أرواح البشر، وأنه لا يشعر بالمرارة لأنه عمل بما فيه الكفاية لخدمة الوطن، وبعد السرقة، جلس فى البيت حزينا على اللوحة، لأنه فنان، «وصعبان عليه». وقال إنه اتفق مع جهة سيادية لتأمين المتاحف، ولم يلتفت أحد إلى اتفاقه هذا، الذى سيترتب عليه، إذا كان صحيحا، عدم الإعلان عن السرقات المقبلة، لأن ذلك سيندرج ضمن الأسرار العليا للدولة، هو يعرف أن الجهة السيادية التى اتفق معها تحظى باحترام وثقة الجميع، ويريد الاحتماء بها، خصوصا بعد أن كذب على السيد الرئيس وقال له إن اللوحة عادت، لم يقدم الوزير استقالته «الملعوبة» كما حدث بعد حريق بنى سويف قبل خمس سنوات، الذى راح فيه أجمل وأنبل المسرحيين، والذى لو كان فيه نظام أو إنسانية لأقيل رئيس الوزراء وليس وزير الثقافة فقط، هذه المرة لم يعترف الوزير بأنه مسؤول عن الكارثة الجديدة، التى تضر بمصر وبالنظام (الذى يهمه أن يشعر المثقفون أن هذا الوطن وطنهم)،لا أتحدث عن قيمة اللوحة المادية والفنية (معظم الذين تناولوا الموضوع كتبوا هكذا)، ولكنى أتساءل: كيف سيثق المجتمع الدولى فى حماية مصر لآثارها التى هى آثار الإنسانية، ومن سيستمع إليك وأنت تطالب باسترداد حجر رشيد أو رأس نفرتيتى مثلا؟، وأنت غير قادر على حماية لوحة فى مكان مغلق به كاميرات وأمن ؟، محسن شعلان «شال الليلة»، وهو يستحق أن يشيلها، لأنه وافق على الاستمرار فى عمله غير الآمن، وهجومه على الوزير (الذى فوضه بالتصرف كوزير فى قطاع المتاحف) من محبسه، عمل صبيانى، لأنه لم يجرؤ قبل السرقة أن يجهر به، مثله مثل مندوبى الصحف فى الوزارة (أو بمعنى أدق: مندوبو الوزارة فى الصحف)، ومثل قادة التغيير الذين لم نسمع لهم صوتا فى قضية كهذه، وكأن سرقة لوحة عظيمة لفان جوخ أقل أهمية من انتخابات مجلس الشعب المعروفة سلفا نتائجها، حتى أخبار الأدب التى تصدت فى السنوات الماضية لمغامرات الوزير خرجت بملف بارد تحت عنوان «الفن والإهمال»، قال فيه فاروق حسنى (بعد السرقة) ردا على سؤال: هل لم تزعجك تصريحات النائب العام الخاصة بتحفظه على طرق تأمين المتاحف، وأن هذا يهدد ثرواتنا الأثرية والفنية بالسرقة والضياع ؟ أجاب: «على الإطلاق لأنه يصب فى الهدف الذى أعمل من أجله، الهدف الذى يعنى أن عملية تأمين المتاحف أمر لا هوادة فيه»، ومع هذا ضاعت زهرة الخشخاش، وقبل ذلك وثائق الحجاز ومخطوطة الرسالة للإمام الشافعى وغيرهما من دار الكتب، ولا نعرف ما ضاع ويضيع وسط فوضى الصراع على السلطة الذى بدأ، لقد لفت نظرى معالجة جريدة الأخبار للقاء النائب العام مع حسنى، المانشيت الرئيسى الأربعاء الماضى جاء كالتالى «وزير الثقافة يبحث مع النائب العام حادث سرقة لوحة زهرة الخشخاش»، لأن كلمة «يبحث» هذه، ارتبطت بلقاءات الزعماء، وبالأوضاع فى المنطقة، وببدء المفاوضات وما إلى ذلك، اللوحة الفريدة سرقت فى النهاية، وبعد عودتها من إيطاليا بشهر، حيث كانت تشارك فى معرض ضم أعمال فان جوخ، ولا أحد يعرف من سرقها؟ أو لماذا؟، وخصوصا أنها لن تظهر فى العلن بعد الآن، ولن يتم تداولها فى السوق، وأعتقد أن الذى سرقها (أو الذين سرقوها) فعل هذا لسبب من اثنين: إما نكاية فى الدولة المصرية كلها وتعريتها وفضحها، وإما أن يكون الهدف هو فاروق حسنى الذى «يوجد عنده مليون عمل مؤجل»!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة