لماذا نفشل دائماً فى تنظيم مظاهرة ناجحة؟ ولماذا تموت حركات التغيير فى مصر قبل أن تولد؟

شاب إسكندرانى يحكى كيف تحوّلت الوقفةالتضامنية مع خالد سعيد إلى فوضى؟

الجمعة، 03 سبتمبر 2010 01:41 ص
شاب إسكندرانى يحكى كيف تحوّلت الوقفةالتضامنية مع خالد سعيد إلى فوضى؟ الفوضى سيطرت على الإفطار وأفشلت هدفه والشباب هتفوا بعد الصلاة بعشوائية ضد الجميع
محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على نغمة واحدة يعزف الحزب الوطنى الذى يقود البلد، وتعزف معه المعارضة التى تقول إنها تسعى لإزاحة الحزب الوطنى ورئيسه عن كرسى قيادة البلد، وعلى نفس اللحن يقوم النظام الحاكم وحزبه ومن بعدهما المعارضة بتركيب الكلمات لتخرج أغان كثيرة كلها تتحدث عن المستقبل الـ«أبيض فى أبيض»، والاستقرار الذى يقودنا إلى بر الأمان، ومنح الفرص للشباب الذين هم أمل الأمة، هكذا يغنى علينا كل تيار فيهم، وكأننا «داقين عصافير» أو فى عيوننا بعض من عمى الألوان، و لا نرى الملايين الذين يجلسون على القهاوى ويتحرشون فى الشوارع، ويغتصبون تحت الكبارى، وينتحرون فى رحلات الهجرة غير الشرعية، أو يباغتهم الإحباط بسبب ممارسات سياسية عشوائية لا هدف قريب لها ولا نهاية سعيدة أو حتى شبه سعيدة يمكن أن يحصلوا عليها، فتشيخ أرواحهم الشابة من الهم قبل أن يسجل عداد أعمارهم الرقم 30، لأن أحدا من أهل النخبة الكبار لم يكلف نفسه بتعليمهم أن طريق التغيير طويل وأساليبه أكثر من مجرد مظاهرة أو مسيرة أو اشتباك استفزازى مع الأمن.

راجع أحداث الفترة الأخيرة وستكتشف أن النسبة الواعية من شباب مصر المشاركين فى حركات التغيير واللاعبين فى الأحزاب.. هؤلاء الذين يسيرون فى المظاهرات ويهتفون ضد النظام ويصنعون الجروبات الفاضحة على الفيس بوك، صنعوا رغم قلة العدد والمدد تلك الزوبعة التى قلل من شأنها النظام الحاكم وقال إنها لم تخرج عن إطار الفنجان، بينما منحها الخبراء والمثقفون درجة امتياز على اعتبار أنها أعادت للحياة السياسية النفس والروح بعد فترة من العيش فى دار المسنين، وأجبروا المعارضة والحزب الوطنى والحركات السياسية على خوض صراع من نوع جديد اسمه صراع السيطرة على الشباب، ولكن للأسف كان الصراع غير شريف بالمرة، كان صراعا يهدف إلى الحصول على مجاميع لا إلى تربية عقول وأجيال ومنحها من التعاليم والخبرات مايكفى لتكوين وعيهم بطبيعة الحركة السياسية وفكرة النضال السياسى، للأسف لم يشرح لهم أحد ثقافة التظاهر، لم يعلمهم أحد أن المظاهرة لن تؤتى بثمارها طالما خرجت إلى الشارع دون هدف أو رئيس أو تنظيم واضح، للأسف لم يخبرهم أحد أن التفاوض مع الخصوم أمر متاح وتكتيك مسموح فى بعض الظروف وبالتالى ليس كل متظاهر يدخل فى تفاوض مع رجال الأمن من أجل ضمان سلامة زملائه عميلا أو خائنا.

انظروا إلى واقع شباب من أجل التغيير الذين صنعوا مجد حركة كفاية فى 2005، وراجعوا معارك شباب 6 أبريل وركزوا مع الجروبات المضادة بين شباب جمعية التغيير وشباب أيمن نور وستعرفون أن أحدا من الكبار لم يكلف نفسه عناء الشرح أو التفسير أو التعليم، فترتب على ذلك ميلاد جماعات شبابية قصيرة النفس، تموت قبل أن تولد، وتتهم بعضها البعض بالخيانة والعمالة قبل أن تترك على الأرض بصمة.

هذا الكلام النظرى ستترجمه الشهادة التالية، شهادة أحد أفراد جروب خالد سعيد ضحية القتل والتعذيب فى الإسكندرية الذى بعث مقتله الروح مرة أخرى فى حركة التغيير وأعاد للمظاهرات رونقها وتواجدها بعد سنوات من الكساد والخفوت. (اسماعيل الإسكندرانى) شارك مثله مثل كثير من الشباب فى فعاليات الإفطار السكندرى للتضامن مع قضية خالد سعيد وأسرته، ولكنه اكتشف الكثير من الأخطاء ولحسن حظك وحظى أنه امتلك شجاعة الاعتراف بها، بشكل لم يعجب كثيرا من أعضاء الجروب الذين اتهموه بالخيانة وعدم الوطنية.

هذا نص شهادة الشاب إسماعيل الإسكندرانى.. أنقلها كما هى لعلها تداوى جروح فشلنا التظاهرى المستمر وتجيب عن الأسئلة المتكررة بخصوص لماذا تسقط حركات التغيير قبل أن تبدأ؟ ولماذا يموت تأثير تظاهراتنا قبل أن تولد؟.. اقرأوا نص الشهادة ولا تقفزوا بين السطور وتطلقوا أحكاما مسبقة على كاتب الشهادة أو حتى ناقلها.. فقط اقرأوا بتركيز.. وافرحوا بأن بيننا شابا يفكر بتلك الطريقة.

(شاركت فى الوقفة كواحد من المئات من الشباب والفتيات والأطفال والشيوخ الذين وقفوا على كورنيش كليوباترا من السادسة مساءً إلى قبيل أذان المغرب. عبرت طريق البحر إلى شارع خالد سعيد- مدحت سيف اليزل سابقاً- حيث اصطف المشاركون متهيئين للإفطار بتمرات فى أيديهم ودعوات تلهج بها ألسنتهم. غربت الشمس ورفع الأذان فأفطرت وأنا أستقل «ميكروباص» متجهاً إلى سان استيفانو ملبياً دعوة أحد الأصدقاء إلى عقيقة. وفور الانتهاء من الطعام عدت مسرعاً إلى كليوباترا.

بمجرد وصولى وجدت مشهداً مختلفاً تماماً، فأفراد الشرطة القليلون قد كثروا، وصفوف الأمن المركزى تطوق المشاركين فى الإفطار، وعدد كبير من القيادات الأمنية متواجد فى المكان.. هتافات من داخل «الكردون»، وظلام فى الشارع يوحى بادئ الأمر بأنه تواطؤ أمنى مع شركة الكهرباء لولا تكرار الانقطاعات فى أرجاء مصر كلها.

اقتربت ورأيت عقيداً لابساً «كاب» ويأخذ «ميجافون» ويحاول التحدث إلى المتظاهرين، ولكن «الميجافون» لم يعمل! ثم ما لبث التدافع أن وقع بين الصف الأول من عساكر الأمن المركزى وبين بعض المتحمسين، وقتها رأيته يستبدل «الكاب» بالخوذة ويطلب من أحد الجنود درعاً.

أول ما دخلت حاولت أن أنزع فتيل الاحتكاك والتدافع من الجهة الجنوبية (فى اتجاه شارع بورسعيد) فوقفت على المحك أبحث عن عناصر الحماس الزائد لأهدئهم. فى هذه الأثناء سمعت عميداً بالأمن المركزى يهدئ أقرب الشباب الواقفين إليه: ياابنى أنا معاك مش ضدك..!
حاولت أن أفهم لماذا تطور الأمر إلى مثل هذا الوضع رغم بدايته السلسة، فعرفت لاحقاً أن الحماس أخذ المشاركين بعد انتهاء المحاكمة الشعبية التى صدرت فيها أحكام بإعدام المخبرَيْن وإقالة مدير الأمن، فأخذوا يرددون الهتافات محولين الحدث إلى مظاهرة، وهو ما دفع الشرطة إلى محاولة تفرقة المشاركين بمرور السيارات فى الشارع، فكان ردهم هو محاولة تحويلها إلى مسيرة فى اتجاه ميدان كليوباترا بشارع بورسعيد، حيث تم الحصار قبل أن يصلوا إلى مرادهم.

كنت على يقين أن المتظاهرين يريدون الانصراف، وأن الأمن كذلك يريد الراحة من هذا الإزعاج السلمى، لذا توجهت إلى بعض النشطاء عارضاً عليهم فكرة الحديث إلى بعض القيادات الأمنية للتوصل إلى حل مرضٍ للطرفين للانصراف بسلام ... وهو ما بدأت به المشاكل.

الأمن يريد صرف المتظاهرين أفراداً كى لا يجتمعوا مجدداً، والمتظاهرون لا يثقون بما يدبره الأمن لهم، فخبرتهم معه مليئة بالسواد، من ضرب واعتقال واستهداف أفراد محددين واعتداء على الفتيات.

خرجت من الكردون بصحبة أحد ضباط المباحث لألتقى بأحد القيادات الذى وضحت حاجته الملحة إلى فض المظاهرة سريعاً وفى سلام. عدت إلى الداخل وأخبرت النشطاء مقترحاً الختام بالنشيد الوطنى، فاشترطوا علىّ خروج الجميع من «الكردون» معاً، ثم رددوا النشيد الوطنى ولم يختموا بل زادت الهتافات. ساد الهرج ولم أتوصل معهم إلى اتفاق، ثم رفع الأذان لصلاة العشاء واصطف المتظاهرون خلف الشيخ أبوعمر المصرى إماماً ووقفنا فى الركعة الأخيرة داعياً الله على الشرطة والأمن والظالمين.

أثناء صلاة العشاء حاولت الوصول مع النشطاء إلى صيغة وسط بالخروج فى مجموعات من 20 فرداً مثلاً، وبالطبع لا يمكننى أن أدّعى أنى حصلت على تفويض ولا اتفاق منهم، وذلك لسبب بسيط، وهو أن العفوية وعدم التنسيق كانتا السمتين الغالبتين وقتها.
خرجت من الكردون للمرة الثانية متحدثاً إلى جمع غفير من القيادات الأمنية الذين حاولت نقل الرسالة إليهم: أن المتظاهرين غير واثقين فى تطميناتكم، وأنهم سبق أن ضربتوهم رغم وعودكم لهم بالأمان. أقسموا بأغلظ الأيمان أن أحداً لن يمس.

كان مدير الأمن- اللواء محمد سالم- يقف وحده قريباً، فصرخ: واحد واحد، ولما يوصل الأول إلى البحر يطلع التانى.. أنت مش بتقول مش واثقين فى كلامنا، احنا كمان مش واثقين فيهم! رددت عليه: البداية من عندكم.. طب خليها مجموعات متوسطة العدد.
فكان آخر كلامه: تلاتات.

فى هذه الأثناء لم يكن ممكناً أن أمنع المتحمسين من النشطاء من الانضمام إلى الحديث مع القيادة الأمنية التى وقفت بجواره عند طرف الكردون لإخراج المجموعات. ولأننا للأسف فاقدين الثقة بعضنا فى بعض، وأسهل كلمة على لساننا هى التخوين أو المنازعة فى لعب الأدوار، فلم يكن من الحكمة إطلاقاً أن أطلب من المتحمسين تركى وحدى فى هذه المهمة. كل ما اجتهدت فى فعله هو إبعاد الثائرين وضم الرموز التى برزت فى الحدث وفى الفعاليات السابقة كى أضمن شيئاً من المصداقية.

بدر من بعض المتحمسين إساءات للقيادة الأمنية كادت أن تقوض الاتفاق، فى البداية قلت لعله خير، هم يلعبون دور الغاضبين وأنا ألعب دور المهدّئ، ويكمل بعضنا بعضاً من أجل تحقيق الهدف المشترك (إخراج المتظاهرين بسلام).

لكن ما استفزنى حقاً هو أن أفراداً لم يسمعوا للتفاصيل، ولم يحضروا النقاش مع القيادة الأمنية علت أصواتهم بالاعتراض الغاضب.. على لا شىء!!
ثار علىّ أحد النشطاء دافعاً إياى ومشيحاً بيده فأوقع نظارتى وكسرها، حاول القيادة الأمنية استغلال الموقف سائلاً باستنكار: كيف نتحدث معكم وهذه لغة الحوار بينكم؟! لم أرد عليه ووجهت كلامى للنشطاء: أنا عمرى ما أزعل من فلان..عاد الثائر معتذراً لى، ثم وجه كلامه للقيادة الأمنية حالفاً بالله أننا سنخرج عشرات وإلا فنحن مقيمون حتى السحور..!!

توجهت إلى مدير الأمن للمرة الثانية.. فتوجهت إليه بنظرى فبادر: ثلاثات .. فتوجهت إليه لأعرض عليه التبادل بين مجموعة صغيرة ومجموعة متوسطة فإذا بفرد الحراسات الخاصة المكلف بتأمينه يقف بينى وبينه مولياً ظهره لى، وقبل أن تصله منى أية كلمة فوجئت بعميد أو لواء- لا أذكر- مرتدياً ملابسه الرسمية ومتوجهاً إلى فى غضب لم أميز منه ما يقول.. وإذا به يدفعنى بعيداً وأقول له أنا أتحدث معكم، فيرد: مش عاوزين نتكلم معاك.. وإذا بالضباط والمخبرين يتضامنون معه - لعلهم أرادوا تطهير يده الشريفة من أن تمس مواطنا نجسا مباشرة! وإذا بهم يدفعوننى داخل «الكردون».

كان هذا إيذاناً بانتهاء التفاوض وبدء الفض القسرى الذى لم يستغرق أكثر من نصف ساعة، ولم يستمر حتى السحور كما ادّعى المتحمسون الذين لا يجيدون تقدير المواقف. وأول ما فعلوه هو أنهم دفعوا الفتاة التى كانوا يهدئونها وأبعدوها بالقوة، ثم ما لبثوا أن أخرجوا المتظاهرين فى ثلاثات بالقوة مع بعض الدفع واللكمات، حتى إذا خفّ العدد فتحوا الكردون من الناحيتين وأنهوا الحدث.

انتظرت حتى انصرف آخر جندى ومخبر، ورأيت الشخص الذى أفسد التفاوض واستكثر علىّ أن أكلم مدير الأمن يركب إلى جواره فى سيارته.

صباح أمس كتبت على الفيس بوك أنى سأروى رواية أخرى للتعامل الأمنى على أمل استلام نظارتى أمس وبدء التدوين الليلة البارحة. لم يصدمنى أن أتلقَ اتصالاً من أحد مثيرى المشكلات بين النشطاء ينقل إليّ اتهام شخص مريض نفسياً لى بأنى كنت أعقد صفقة مع الأمن كى أخرج من «الكردون»، لكن ما صدمنى حقاً هو أن أحد الذين أحترمهم قد كتب يستبق بالنفى أى رواية مغايرة لما هو موجود على جروب كلنا خالد سعيد أو على لسان النشطاء، بل يجعلنى مخطئاً فى موقف النظارة!!

خلاصة شهادتى:
1 - مبالغة مؤسس جروب خالد سعيد فى إخفاء هويته أحد أهم الأسباب فى غياب التنسيق وخروج الحدث كمولد وصاحبه غايب.
2 - الأمن يفرق فى التعامل بين المظاهرات الاحتجاجية السياسية فى الأماكن المعتادة، وبين الفاعليات الإنسانية فى المناطق الشعبية.
3 - ليس رجال الشرطة كلهم نمطا واحداً، فمنهم من قد يصلح الحوار معه، بل منهم من يجب معه الحوار!
4 - رجال الشرطة هم جزء من نسيج المجتمع المصرى المصاب بمرض عقلية الموظف ونفسية العبيد التى عكسها موقف الشخص الذى أفسد التفاوض، لا لشيء إلا لأنه استكثر أن يقوم شاب عشرينى بمحادثة مدير الأمن - لا أدام الله ظله.
5 - تعامل الشرطة مع فعاليات إفطار خالد سعيد رغم ما تخلله من تجاوزات، إلا أنه أقل بكثير من اعتداءاتها المعتادة على المتظاهرين والمحتجين سياسياً، وأؤكد أن ما حدث من »كمش« ودفع من قبل الأمن المركزى كان بدايته المتظاهرون.
6 - الوسط الاحتجاجى فى المعارضة المصرية السياسية والوطنية والحقوقية ملىء بنشطاء غير مؤهلين للعمل العام ولا للتفاوض المشرف ولا بالعمل الجماعى من أساسه.
7 - النتيجة والمحصلة النهائية أننا بدلاً من أن نفضّ الفعالية متفاوضين ومحققين جانباً كبيراً مما يرضينا، قام الطرف الآخر بفضها منفرداً بشروطه هو، وفى أقل من نصف ساعة.
هذه شهادة حق فى شهر الفرقان الذى نزل بالحق، لا أبالى بمن يرضى عنها ولا من ستسخطه.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة