أقرأ الآن فى سويعات الصباح الأولى ما دار بخلدى البارحة، ويبدو أننى مازلت مصراً على أننى لدى ما أقول، ترى ما هو؟ فلأصف ما أراه أمامى فى تلك الساعة، ربما انهمرت الكلمات من خلال تلك الجزئيات الصغيرة، أرى نصف جنيه كان من ضمن ما أخرجته من جيبى منذ قليل قبل أن أخلد للنوم وأقرر الصحو فجأة لكتابة المزيد.
كيف ذكرتنى عملة معدنية ضئيلة القيمة بحبيبتى الأولى؟ ربما كان النصف هو المسئول عن تواتر الأفكار إلى أن وصلت إليها لكونها نصفى الآخر، أو ربما كانت فكرة العملة أو المادة هى السبب الرئيسى فى اندثار الأحلام، وبالتالى أخذتنى إلى قبر حلمى الأول، لكن الفقراء يتزوجزن كما قالت هى، لكن أبناء الطبقة المتوسطة تعوزهم بساطة الفقراء وقدرة الأغنياء، لذلك يواجه ابن الطبقة المتوسطة وجهين للمشكلة، وشكلين للعجز، وطعمين كلاهما مر، ويندر أن أرى الغنى بطلاً، وإن كان بطلاً فلا بد من إظهاره كغنى فقط كبداية، وبعدها تدق بابه كارثة تسلبه غناه وبعدها لا يجد من يسانده إلى أن تظهر امرأة بسيطة تعينه على خوض المعركة إلى أن يصل لغايته ويتزوج المسكينة المناضلة وينتقم من بنت الحسب والنسب التى تركته فى ذروة الكارثة، كى نخرج فى النهاية بقيمة لا تصلح كقيمة سوى على شاشة التلفاز.
عادة يكون الغنى صاحب ملهى ليلى مليئا بطاولات القمار ومباحا فيه كل ممنوع، عادة أرى الغنى محتالاً، مرتشياً، يتزعم عصابة، أو ربما يتاجر بما لا تسمح به حكومته، أما الفقراء فلا يصلحون كأبطال، لكن الأبطال دائماً يوجدون من أجل نصرة الفقراء، وإن حدث ووجدت البطل فقيراً فلا ينصر سوى نفسه، والمعنى فى حد ذاته أنانى، يبحث عن وضع أفضل له فقط، عن امرأة تصلح لحلمه بغض النظر عن حلمها، عن وسيلة تبتعد به عن واقعه وتنجيه منه وتجبرنى على الانغماس فى واقعى أكثر وأكثر، والغريب أنه يجد تلك الوسيلة والأغرب أننى لا أجدها.. الفقراء يتزوجون لكننى لست فقيراً.. ولم يكن الغنى من نصيبى.. تماماً كنصف الجنيه، نصف راغب، نصف راهب، موجود وغير مؤثر، محلق على أرض، هائم ومدرك، لائم ومشفق، وهذا ما لم تفهمه هى.. وكأن الوقت تأخر؟ ها أنا عائد إلى سريرى بعد أن نعس الضمير والجسد على حجر يوم آخر، ما الذى ينتظرنى هناك؟ لا أحد يدرى سوى الله.
