لن أتحدث عن الكسل من حيث هو آفة صارعها الشعب المصرى فصرعته، فجلد الذات بالحقائق هو آخر ما أرجوه فى تلك الظروف الحالكة التى يعيشها المصريون.
الكسل الشعبى الذى أريد أن أتفكر مع القارئ الكريم فى سماته وتبعاته، إن هو إلا حالة من البيات الموسمى، وضع الشعب الذكى نفسه فيها طواعية منذ أن تجرّد لحكم البلاد ثلة من المنتفعين. وهى حالة ليست بالمحدثة، فقد سبق للمصريين أن اطمأنوا لها بعد أن اختبروها فى غير عصر من عصور الفساد والاستبداد، وكثيرة هى تلك العصور فى تاريخ البلاد، قوام هذه الحالة أن يلزم الرجل بيته بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وما خروجه إلى العمل -إن كان يعمل- أو إلى المقهى -إن كان يلهو- إلا فيما يشبه الشرنقة لا يعدوها إلى خارجها أبداً.
يتحدث الرجل ولكنه لا يسمع، يصرخ أحياناً ولكنه لا يسمع -بضم الياء- يسقط منهاراً ولكن أحداً لا يجرؤ أن يتهم فى سقوطه أحداً من أولى الجاه والسلطان، يقيم الرجل فى شرنقته فلا يقيم وزناً لقول القائلين، فقد استعوض الله العلى القدير فى دنياه وآثر الآخرة موقناً بأن مظالمه لم ولن تنظر "ما دام فى القلب عرق ينبض"!!. فى هذه الأثناء يأبى نفر من المصريين إلا ان يخوضوا معترك السياسة مهددين بذلك كيان السلطة المتأبدة فوق الرقاب.
يدّقون نواقيس اليقظة والخطر أن اخرجوا أبناء مصر من بياتكم هذا، أن اعملوا أبناء مصر فإن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ان احفظوا أمانة الله التى عرضها على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملها وحملتموها ظالمى أنفسكم. ولكن الشرنقة سميكة فلا يرجع القول إلا صدى، فلا يزالون بهم حتى يجذبون إليهم بعض التفات، وعندئذ يظهر الكسل سوأته. فالمستبدون قد أمنوا بأس الناس ومكرهم فى شرانقهم فلا يقبلون أن يخرجهم من تلكم الحالة أحد من العالمين. أتراهم يعبأون بمقارعة الحجة بحجة أقوى؟ كلا، إنهم عرفوا أن الشعب قد أمكن منه الكسل فما عليهم إلا أن يطعنوا فى دعاة اليقظة، يطعنوا فى السند دون المتن، يطعنوا فى صواب عقولهم أو فى وطنيتهم أو فى شرفهم، يغتالون سيرهم حتى يعرض الناس عنهم. حقاً لقد سوّل الكسل للناس هذا الإعراض وذلك النفور، فلولا الكسل لعرفنا الرجال بالحق ولما عرفنا الحق بالرجال. ولولا الكسل لمزقنا الشرانق حتى نستمع إلى ناقوس الخطر غير آبهين إلى مصدره طالما أنه يحمل الخبر اليقين.
فما من أحد إلا يعرف وجه الاستبداد السافر ويمقته شر مقت، ولكن الشعب الذكى قد آثر الدعة والسكينة، فجر عليه ذكاؤه الفاقة والعوز بعد أن أفنى المستبدون الأخضر واليابس، وجاءوا يزاحمون الناس فى شرانقهم، فلا هم سكنوا ونعّموا فى سلام العيش وهدأة النفس، ولا هم هبّوا ليستنقذوا أرزاقهم من الغاصبين.
ماهر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة