صدر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر كتاب جديد يتناول حياة بنى إسرائيل فى مصر للكاتب هشام سرايا، حمل عنوان "حياة بنى إسرائيل فى مصر بين حقائق الدين ومصادر التاريخ".
وعرض مؤلف الكتاب هشام سرايا لموضوع شغل الكثيرين على مر الزمن وأثار الكثير من الجدل، هو قصة بنى إسرائيل (نشأة، وموطنا وحضارة وأديانا... إلى آخر ما يتعلق بحياة مجتمع بشرى).
حيث عرض المؤلف فى الكتاب لأدلة جديدة استقاها من المصادر الدينية والأثرية ليحدد الزمان الذى دارت فيه أحداث قصة بنى إسرائيل فى مصر، فعرض لأشخاص الرواية التى تحكيها الكتب المقدسة وعلى رأسهم فرعون موسى، حيث اهتم المؤلف بعرض خمسة موضوعات أساسية هى حقيقة دخول بنى إسرائيل أرض مصر وإقامتهم بها حتى خروجهم مع موسى عليه السلام، وحقيقة غرق فرعون وإبادة الجيش المصرى عن آخره فى رحلة الخروج، وحقيقة قضاء فترة التيه، وحقيقة دخول بنى إسرائيل فلسطين بعد سنوات التيه، وأخيرا الحقيقة التاريخية لوجود وانتهاء الحكم المصرى لفلسطين.
واعتمد سرايا على ثلاثة مصادر لاستقاء المعلومات والحقائق وهى الرواية التوراتية والرواية القرآنية والمصادر التاريخية متمثلة فى الآثار، وما سجلته لنا كتابات الجداريات والبرديات والمراسلات فى تلك الحقيقة السحيقة من التاريخ.
وهو الذى اهتم به سرايا، رجل القانون، درس الآثار وراح فى كتابه يلضم التفصيلة بالأخرى ليكتب بحجة القانونى وبعقل الباحث الذى يخضع مادته للمنطق. فى هذا الكتاب الذى يصدره مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع ويقع فى 656 صفحة.
ويقوم سرايا بنبش المسلمات التى تم اعتبارها بديهيات، حيث يتوصل إلى أن دخول بنى إسرائيل لمصر كان فى عهد الهكسوس، مستندا فى ذلك إلى أدلة كثيرة استقاها على سبيل المثال من التمييز القرآنى بين حاكم مصر فى عهد يوسف، وحاكم مصر فى عهد موسى، مشيرا إلى أن يوسف عليه السلام وصل إلى مصر فى عصر لم يكن فيه الملوك المصريون يتخذون لقب "فرعون" الذى بدأ استعماله فى الأسرة الثامنة عشرة، على حد قوله، كما يرى المؤلف أنه لم يكن ممكنا ليوسف وهو مجرد بدوى عبرانى، أن يحكم فى مصر الحرة ذات النعرة المتعالية على الأجانب، مؤكدا على أن المصريين كانوا يقولون "الأجانب أصبحوا ناسا"، والخلاصة أن الإسرائيليين على عهد يوسف عاشوا فى مصر فى سلام، لكن الأقدار كانت تحفر لهم نفقا معتما مكثوا فيه أكثر من ألف عام، ويقول المؤلف فى كتابه: وكانت حتشبسوت هى التى دقت فى نعشهم أول مسمار، إذ تحول الرخاء إلى محنة وعبودية على عهد موسى.
يقول "سرايا": المرحلة الأولى التى دعا فيها يوسف المصريين للإيمان بالله الواحد ونشر الأسباط لعقيدة أنبياء إسرائيل فى مصر الشمالية والوسطى، والمرحلة الثانية التى حدثت فيها التدبيرات الإسرائيلية حدت بإخناتون، وأخواله الإسرائيليين، إلى إعلان عقيدة التوحيد، ديانة رسمية لمصر.
جوهر هاتين المرحلتين ونتائجهما يتنافى تماما مع الاستخدامات العنصرية اللاحقة التى بثها كهنة إسرائيل فى العقيدة الإسرائيلية التى كانت سماوية، وتحولت على أيديهم إلى ديانة وضعية، سميت، لاحقا، بـ "اليهودية"، وبناء عليه تجاهلت أيدى الكهنة العلاقات المصرية – الإسرائيلية خلال عهد يوسف والأسباط وفترة الانتشار الدينى حتى ميلاد موسى.
وخلاصة ما ينتهى إليه "سرايا" أن الإسلام (الإيمان بالله الواحد) قد دخل مصر على يد يوسف عليه السلام، وكان له أتباع ومعابد تقام فيها شعائره، وبعد سقوط حكم الهكسوس على يد الملك أحمس تعامل ملوك مصر، بعد التحرير، مع القبائل الوافدة التى استمرت فى العيش بمصر، ومنهم بنو إسرائيل، بتسامح. لقد استمر هذا الدين حيا فى العلن، إلى جانب العبادات الوثنية القديمة دون صراع، بالأسلوب ذاته الذى وضعه يوسف فى التعامل مع الديانات الأخرى "التعايش". ومع استمرار الإيمان كان طبيعيا أن يصبح بنو إسرائيل، أصفاد الأسباط، هم رجال هذا الدين الذى يقع على عاتقهم نشر الدعوة وردياتها للحفاظ على دينهم. وأصبحت، من ثم، "أفاريس" هى قبلة هذا الدين، وشطرها يولى المؤمنون وجوههم. وقد استمر هذا الوضع قائما إلى أن حدث الاصطدام الأول مع ملوك طيبة فى عهد حتشبسوت.
وينتهى الكاتب إلى أن حملة الملكة الغاضبة، وإن كانت قد أسفرت عن تشتيت أعداد من بنى إسرائيل إلا أنها لم تستأصل شأفتهم. وإزاء الخطر الذى داهم بنى إسرائيل ونبه السلطات إليهم كان عليهم أن يعيدوا ترتيب الأثاث فيما كان البيت يحترق، مع ذلك، بعد أن أطفأوا النار أفلحوا فى التقاط أنفاسهم، حين خرج من بينهم رجل كان له دور فارق فى توجيه دفة الأحداث على مستوى القمة "تويا" وإلى جواره يستدرج "سرايا" أسماء أخرى إلى خشبة المسرح، تمسك معه بخيوط المشهد الجديد.
ويشير المؤلف إلى سلسلة مؤامرات جرت أدت ببنى إسرائيل إلى عبور النهر نحو الضفة الآمنة.. سدة الحكم والتحكم. ويربط الكاتب، مقدما الأدلة، بين هذه المؤامرات وبينهم. تبدأ المؤامرات بالأمير الشاب تحتمس الذى يعيش فى "منف" مع باقى إخوته ولى العهد والأمراء، أبناء الملك "أمنحوتب الثانى". وفى منف كان الأمير يتجول بعربته الحربية، فإذا به يلتقى الفتاة الجميلة "موت إم أويا" فأحبها وتعلق بها قلبه.
ويستدل الكتاب من المصادر التاريخية أن تحتمس كان وقتها فى السادسة عشرة من عمره، حين أقام علاقته مع "أويا" وأنجب منها أول أطفاله، وبعد أن أصبح ملكا أصبحت هى بالضرورة، الملكة، مع أنها لا تنحدر من دم ملكى، وبالتالى أصبح ابنها "أمنحوتب الثالث" ولى عهد لأبيه تحتمس، والفرعون القادم.