كريم عبد السلام

صباح الانتحار

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010 11:57 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تلميذ فى المرحلة الابتدائية بقنا، وربة منزل ببورسعيد وموظف بالمركز القومى للشباب والرياضة فى الجيزة وسائق من مركز جرجا بمحافظة سوهاج وممرضة بمستشفى الجامعة بقنا، خمسة مواطنين من مناطق مختلفة يجمع بينهم أنهم جميعا حاولوا الانتحار أمس الثلاثاء، على اختلاف أعمارهم ومشاكلهم، وجاءتنى أخبارهم تقطر دما.

ثلاث من محاولات الانتحار الخمسة نجحت، واختفى أصحابها من سجل الأحياء الذين يرزقون، الطالب محمد ابن الـ13 عاما من قرية السنابسة بمركز الوقف التابع لمحافظة قنا شنق نفسه مستخدما الحجاب الخاص بشقيقته، بعدما عنفته أمه لعدم انتظامه فى المدرسة، وربة منزل بورسعيد التى أقدمت على تناول سم الفئران لتفاقم المشاكل بينها وبين زوجها وأسرته، وسائق جرجا الذى أطلق عياراً نارياً فى فمه على طريقة حسين فهمى فى فيلم "العار".

المحاولتان الأخريان ظلتا فى خانة المحاولة لحسن الحظ، ومازال بطلاها يتلقيان العلاج، موظف المركز القومى للشباب والرياضة بالجيزة الذى طعن نفسه فى البطن بحافة زجاجة بعد انتشار شائعات بفصله من العمل نتيجة سرقة العهدة، وممرضة المستشفى الجامعى بقنا التى تناولت كمية مختلفة من الأدوية، وحاولت القفز من سطح الدور الرابع بالمستشفى، لمرورها بأزمة نفسية نتيجة خلافات أسرية.

لا نملك إلا طلب الرحمة للمتوفين الثلاثة، والشفاء للسائق والممرضة العائدين من على عتبة الموت، لكنى أتساءل، ما الذى يجرى، وكيف أصبح الانتحار هو الخيار الأسرع والأفضل بالنسبة لكثير من المصريين، على اختلاف أعمارهم ووظائفهم ومشكلاتهم، لو تشاجر زوج وزوجة ربما يقدم أحدهما على الانتحار، لو زجر والد ولده سيذهب ويلقى نفسه فى النيل أو يشنق نفسه بإيشارب أخته، كما حدث مع طفل قنا، لكن لماذا سؤال بألف علامة استفهام؟؟؟؟؟

هل فقد المصريون لأول مرة فى التاريخ، وهم من صناعه الأوائل، قدرتهم على التشبث بالحياة؟ هل فقدوا ميزة اللعب مع الزمن، تلك الميزة التى جعلت أرضهم بفلاحيها باقية فى وجه الغزاة الزائلين والإمبراطوريات الزائلة والملوك الزائلين؟ هل فقد المصريون لأول مرة قدرتهم على هزيمة الموت وانكسرت نفوسهم المحبة للحياة؟

لا يمكن أن تنكسر نفوس المصريين إلا إذا فقدوا البوصلة وفقدوا معها ترتيب أولويات حياتهم، الفلاح يبيع أرضه ليشترى شقة فى المدينة الملوثة وموبايل، ويبنى على الرقعة الزراعية التى رواها بدمه آلاف السنين، ويدنس النيل الذى طالما قدسه وحاكم المعتدين عليه، وساكنو المدن يتقاتلون لأهون الأسباب فيقتل بعضهم بعضا فى طوابير الخبز ومن أجل قروش قليلة.

إنها الحياة التى سُرقت منا إذن فأصبحنا عائشين ونحن موتى، ولذا أصبح الانتحار هو المسعى الأول لدينا، لأننا بذلك نستريح من ثقل الازدواجية التى نحملها على ظهورنا، موتى أحياء أم أحياء موتى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة