يبدو أن مؤتمر اليورومنى – وهو الحدث الاقتصادى الأهم – على مدار العام تحول من منبر تعرض فيه تحديات الاقتصاد القومى ومشكلاته وأهم الوسائل لتنشيطه ومواجهة مخاطره وفرصة لجذب المستثمرين الأجانب، إلى "مكلمة" للوزراء الراعين للمؤتمر وموسم لاستعراض القدرة الخطابية لبعض المسئولين ..إلا أن هناك طرفا ثالثا يبدو أنه هو الرابح الوحيد فى هذا الحدث، وهى الشركات التى اتخذت من المؤتمر فرصة لترويج مشروعاتها وشرح أهدافها سواء للإعلاميين أو المستثمرين.
نلاحظ هذا جيدا عندما نسمع رئيس المؤتمر ريتشارد بانكس وهو يؤكد أن الاقتصاد المصرى يواجه العديد من التحديات، أهمها العمل على زيادة معدل تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، وغياب الشفافية خاصة فى القطاع العقارى، مشيرا إلى أن البورصة المصرية تأثرت نتيجة غياب الشفافية فى قضية "مدينتى"، وهذه المشكلة تمثل حجر الزاوية فى إقبال المستثمر الأجنبى على استثمار أمواله فى مصر.
كما يتضح أكثر من كلامه وهو يطالب صناع القرار السياسى والاقتصادى فى مصر بضرورة الاستفادة من جلسات مؤتمر "يورومنى" نظراً لمناقشتها جميع المشكلات الاقتصادية التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، رغم انعقاد هذا المؤتمر بشكل سنوى فى مصر منذ عدة سنوات وتقريبا كان نفس الوزراء الراعين للمؤتمر هذا العام كما هم فى مناصبهم، ومازالت نفس المشاكل التى تواجه الاقتصاد المصرى موجودة كما هى ومازال معدل الفقر يزداد وإن زاد أيضا نسبة الأغنياء، ومازالت مضامين كلماتهم الافتتاحية كما هى.
تصريحات الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار السابق مثلا فى كلمته أمام مؤتمر "يورومنى" ركز فيها ما حدث خلال السنوات الماضية خلال الـ5 سنوات الماضية، مشيرا إلى أن معدل تأسيس الشركات الجديدة فى مصر وصل إلى 4000 شركة سنويا، ووصل حجم الاستثمارات الأجنبية إلى 49 مليار دولار خلال نفس الفترة، كما تم خلال العام المالى الماضى، الانتهاء من تسوية المديونيات المستحقة على شركات القطاع العام للبنوك العامة لتنخفض من 32 مليار جنيه إلى "صفر"، وهو نفس الكلام الذى قاله خلال المؤتمر السابق تقريبا ولم يذكر إذا كان ما تحقق من انجازات هو بالفعل يمثل انجازا فى بلد مثل مصر بدأت الإصلاح الاقتصادى منذ 30 عام ومازالت معدلات الفقر تزداد بها بشكل مخيف بشهادات المؤسسات الدولية.
إلا أنه أشار إلى أن البيروقراطية هى إحدى أهم المشكلات التى تواجه الحكومة ويتم التعامل معها من خلال تعديل القوانين التى تسهل الإجراءات، موضحاً أن مصر أصبحت الدولة رقم 24 عالمياً بعد أن كانت رقم 126 فى الدول التى تواجه البيروقراطية نتيجة تطبيق التعديلات.
وقال إن سياسة الحكومة فى القضاء على الفقر، تتلخص فى الحلول قصيرة المدى مثل تخفيض النفقات ورفع معدلات النمو ضاربا المثل بماليزيا على ذلك، موضحاً أن مصر تعتبر من الدول التى تتحلى بالاستقرار السياسى والاقتصادى ويعتبر الاستثمار طويل المدى دليلاً على ذلك، فقد زاد عدد الشركات من 2860 منذ خمس سنوات إلى 7940 قبل الأزمة العالمية.
أما يوسف بطرس غالى فبدا حديثه له معانى كثيرة وهى " من الغريب أن يقضى وزير سنوات طويلة فى الخدمة العامة"، هذه الكلمة التى لم يشرحها الوزير تؤيد كلامنا السابق، إلا أنه أكد أن عزلة الاقتصاد المصرى فى المرحلة السابقة هى التى حمته من الأزمة الاقتصادية، والغريب أيضا أن نفس الوزراء الذين تغنوا بعزلتناعن الاقتصاد العالمى بعد الأزمة العالمية هم أنفسهم الذين كانوا يصبون جام غضبهم على من يعترض على مشروعات الربط السريع للاقتصاد المصرى بالاقتصاد العالمى عبر عمليات الخصخصة السريعة غير المحسوبة .
أما الشركات الخاصة مثل القلعة وسى أى كابيتال وشركات الاتصالات الراعية والبنوك الخاصة فقد اتخذت من المؤتمر فرصة للترويج لمنتجاتها وعرض مشروعاتها المستقبلية بشكل فردى كل على حدة، سواء من خلال ورش عمل واستضافة بعض الخبراء الأجانب أو من خلال توزيع واستقبال الراغبين فى الاستفسار عن شىء من منتجاتها فى مكان خاص لعرض هذه المنتجات..
وفى المجمل كانت هذه المؤسسات هى الرابح الوحيد فى المؤتمر مقابل الاستثمار القومى الذى من المفروض أن يكون هو الأكثر استفادة منه عن طريق عرض الفرص الجديدة للضيوف الأجانب من المستثمرين والخبراء المتحدثين عن مطالب ومشاكل الاقتصاد المصرى فى المرحلة المقبلة، وليس أداؤه فقط فى المرحلة السابقة رغم أهميتها أيضا.
يذكر أن "يورومنى" افتتح أعماله صباح اليوم، بكلمة لريتشارد بانكس، مدير مؤتمرات "يورومنى" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكد فيها أن الاقتصاد المصرى يواجه العديد من التحديات، أهمها العمل على خفض نسبة العجز فى الموازنة وتقليل معدل الفقر، وتيسير حصول القطاع الخاص على التمويل، وتطوير البنية التحتية..
وألقى الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية، كلمة أكد فيها أن الدولة تعمل جاهدة على خفض نسبة الفقر الحالية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعديل الأطر التشريعية التى تعمل على ذلك.
"اليورومنى" تحول إلى "مكلمة" للوزراء وفرصة للشركات الخاصة.. والسؤال: ماذا يستفيد الاقتصاد القومى؟
الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010 09:35 م