زينب عبداللاه

مصر أم وشين

الجمعة، 24 سبتمبر 2010 07:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل تخيلت ذات مرة أنك ارتميت كعادتك فى حضن أمك تنظر إلى وجهها الطيب الحنون لتشعر بالدفء والأمان وتلقى عنك هموم الدنيا ومتاعبها، فإذا بهذا الوجه يتحول فجأة إلى شبح مخيف يحاول أن يغرس أنيابه لينهش جسدك ويمزقه ويتحول الحضن الدافئ إلى أشواك وطعنات، حينها قد تقتلك الصدمة قبل أن تشعر بالألم، يختل عقلك قبل أن تجد الإجابة على الأسئلة: هل هذه هى أمى حقا؟ وهل هذا هو وجهها الحقيقى؟ وأين كانت تخفى هذا الوجه القبيح المرعب؟
انتابنى هذا الإحساس وشعرت بالرعب والفزع وأنا أتابع التصريحات الخطيرة التى أدلى بها الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس والرجل الثانى فى الكنيسة المصرية فى حواره مع جريدة المصرى اليوم وأجاب فيها عن سؤال حول إمكانية وضع الأديرة تحت رقابة الدولة قائلا "إن الأقباط أصل البلد، وإن المسلمين ضيوف حلّوا علينا ونزلوا فى بلدنا واعتبرناهم إخواننا «كمان عايزين يحكموا كنايسنا»، ونحن كمسيحيين نصل إلى حد الاستشهاد إذا أراد أحد أن يمس رسالتنا المسيحية، وإذا قالوا لى إن المسلمين سيرعون شعبى بالكنيسة، فسأقول «اقتلونى أو ضعونى فى السجن حتى تصلوا لهذا الهدف». ليرد عليه المفكر الإسلامى الدكتور سليم العوا فى حواره مع قناة الجزيرة مطالبا بمحاسبته على هذه التصريحات ومفجرا ما هو أكثر خطورة حيث أكد أن هناك أسلحة تأتى مهربة من إسرائيل ليتم تخزينها فى الكنيسة وأن هذا معناه الاستعداد لاستخدام هذا السلاح ضد المسلمين، وأن تصريح الأنبا بيشوى بأننا مستعدون للاستشهاد إذا أراد أحد إخضاع الكنيسة يعنى أن الاستشهاد الذى يقصده بيشوى لن يكون إلا فى حرب مع المسلمين!!
هنا رأيت وجه الشبح، الوجه الآخر لمصر التى لا نعرفها، الأم التى تحولت فجأة إلى وحش مرعب، أغمضت عينى وتخيلت هل يمكن أن يرفع زميلى العزيز اسحق فريد الذى أصبح مؤخرا "القس إيساك" سلاحا فى وجهى بعد أن كنا نقتسم جميعا إفطارنا معا كل صباح، وكان ينتظر بلا طعام فى رمضان حتى وقت الإفطار لنأكل معا كما تعودنا؟ وهل يمكن يرفع ابنى يوما سلاحا فى وجه ابن زميلى الطيب الحنون جورج أنسى الذى لا يكف عن السؤال عن صحة أبنائى إذا علم أن أى منهم يعانى من وعكة صحية؟ وهل يصبح "بهاء حبيب" زميل الدراسة والعمل الذى أعرفه منذ ما يقرب من عشرين عاما تقاسمنا خلالها أفراح وأحزان مرت علينا عدوا يجب التخلص منه؟، وهل أجدنى وإخوتى يوما ما طرفا فى حرب طرفها الآخر جيرانى رفاق الطفولة ممدوح ووصفى وجرجس الذين كان كل منهم يعتبر جارته المسلمة أخته التى يدافع عنها حتى وإن تعرض لعلقة ساخنة، وكثيرا ما كان كل منهم يشتبك مع أبناء منطقة أخرى مسلمين ومسيحيين إذا تعرض أى منهم لأى من "بنات الحتة" وهكذا كان يتعامل إخوتى مع "تريزة ونوال وسميرة وعزة ومريم" بنات جيراننا الأقباط، حيث كان شارعنا فى منطقة إمبابة القديمة لا يخل كل بيت فيه من هذا الاندماج بين سكانه المسلمين والمسيحيين، لم يطرأ على ذهن أى منا أنه يتشاجر ويتشابك مع طرف من أبناء ملته ودينه لصالح طرف آخر مسيحى أو مسلم، كان هذا هو وجه أمى وجه مصر التى أعرفها ونعرفها جميعا كنت أراه فى وجه "ستى المقدسة أم كمال" التى كانت تجلس أمام محل ابنها "المقدس كمال" الترزى العربى وتجمع حولها أطفال الشارع مسلمين ومسيحيين تحكى لهم الحواديت الجميلة وتمنحنا قطع الحلوى وتنافسها فى هذا المجال رفيقة عمرها وشبابها وشيخوختها "ستى الحاجة أم سعودى" بحكاياتها وأطباق الأرز باللبن التى كانت تعدها لأطفال البيت مسلمين ومسيحيين، تلك السيدة المسنة العجوز الأرملة التى فقدت ابنها الوحيد ويعتبرها كل رجال ونساء الشارع أما لهم، يناديها كل الأطفال بلقب "ستى الحاجة"، ننتقل بين الجدتين لنسمع أجمل الحكايات التى رسخت فى وجدان كل منا، لم يتوقف هذا التثقيف الشعبى إلا حين انتقلت ستى الحاجة أم سعودى إلى رحمة الله وحزن عليها كل سكان الشارع وكانت أكثرهم حزنا رفيقة عمرها ستى المقدسة أم كمال التى لم تعد تحكى لنا الحكايات ولم تتحمل فراق رفيقتها وماتت بعدها بأيام قليلة، فى هذه الوجوه المنتشرة فى كل أنحاء مصر كنت ومازلت أرى ويرى غيرى وجه مصر الطيب مصر التى نعرفها ونعشقها، أما الوجه الآخر فأراه مرعبا يفزعنى فى وجوه شباب وقفوا متحفزين ثائرين يوشك كل منهم على الاشتعال من شدة الغضب بسبب إسلام فتاة أو سيدة أو تنصيرها وفى تصريحات تؤجج نيران الغضب من كلا الفريقين الذين كانا من قبل فريقا واحدا، وجه قبيح دميم لا أطيق النظر إليه لأن فيه نهاية مصر ونهايتنا جميعا فمصر التى لم يغلبها الفقر والجوع والظلم الذى مر عليها طوال تاريخها يعرف أعداءها جيدا أن نهايتها لن تكون إلا بهذا الوجه المرعب الذى تتحول فيه الأم إلى شبح ويتحول فيه الإخوة وشركاء الوطن إلى أعداء يحمل كل منهم سلاحه فى وجه الآخر وحينها لن يكون أى من الطرفين شهيدا كما يظن الأنبا بيشوى لأن كلانا سيكون خاسرا، بأيدينا وأفعالنا وداخل كل منا نحمل الوجهين نجعلها حقا "مصر أم وشين" وعلينا أن نختار بأى وجه نحب أن نراها؟






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة