نتندر أحيانا - نحن المصريين- على أنفسنا بأننا شعب لا يحترم المواعيد ولا يعترف بالتحديد.. نضرب لبعضنا المواعيد على طريقة "بعد العصر" أو "على عشرة حداشر" أو "ع الأسبوع الجاى" وعناوين سكننا هى إما "بعد البنزينة".. "جنب الفرن".. أو "آخر الشارع"..
ولأن هذه الطريقة أصبحت جزءا من ثقافتنا الأصيلة لا نجد غضاضة فى التعامل معها بشكل يومى ونفهم جيدا الفارق بين المعنى الحرفى والمعنى المجازى لهذه المصطلحات، فعندما يقول لك موظف حكومى فوت علينا بكرة، فإنه بذلك لا يضرب لك موعدا، وإنما يطلب منك "حق الشاى"، وعندما يقول لك سائق الميكروباص أنه ذاهب إلى الهرم فإن هذا معناه أن تنزل الطالبية و"تغير من هناك"، وإذا ضرب لك صديقك موعدا "بعد الماتش"، فإن ذلك معناه أنه "بينفض لك"، لأن اتحاد الكرة لا يعلن جدولا محددا لمباريات الدورى وإنما يلعب كل "ماتش بماتشه".
وبسبب هذه العادة المصرية الصميمة تعرضت لموقف محرج مع زميل إعلامى "خواجة" من هؤلاء الذين يحبكونها ويحسبون الوقت بالدقيقة والثانية ويحسبون الموقع بإحداثيات الـ"جى بى إس".. سألنى هذا الزميل الصديق سؤالا بسيطا حويطا غويطا: "متى ستتم الانتخابات البرلمانية القادمة فى مصر" .. أدهشنى السؤال.. فرغم ما تحمله الصحف من أخبار يومية عن الانتخابات إلا أن موعد الانتخابات لا يتم ذكره على الإطلاق.. ساعات يقولوا: "الخريف القادم".. وساعات يكونون أكثر تحديدا فيصفونها بأنها ستتم فى نوفمبر.. قال لى: "إنه دخل على المواقع الرسمية المصرية وموقع الهيئة العامة للاستعلامات ومواقع الأحزاب المصرية ولم يجد موعدا محددا للانتخابات.. ولأنه يعتقد (أو يتخيل) إنها انتخابات حاسمة ومهمة وفاصلة فى التاريخ المصرى فهو يعتقد (أو يتخيل)، أن موعدها بالتأكيد معلن ومعروف للقاصى والدانى منذ شهور وسنوات وقرون.. فكرت أن أقول له ببساطة "فى منتصف نوفمبر" حتى أمسك العصا من النص ولكننى خفت أن يتهمنى بعدم الدقة.. فوعدته أن أبحث وأتأكد وأرد عليه "بعد العصر"..
غرقت فى مواقع الإنترنت الرسمية وغير الرسمية.. أجريت عشرات الاتصالات بزملاء صحفيين وسياسيين وناشطين وحتى مرشحين محتملين فى الانتخابات القادمة.. الكل أجمع على إجابة واحدة.. ولذلك.. وبعد يومين أو ثلاثة اتصلت بزميلى الخواجة لأخبره بالموعد المحدد الأكيد قائلا: "الانتخابات الجاية.. إن شاء الله بعد البنزينة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة