كيف ينهض الزمالك؟ هذا النادى العريق الذى تهب عليه العواصف من كل الاتجاهات منذ أن تأسس وحتى الآن.. يخضع طوال حياته للتجارب لكى يستقيم ويسير فى طريقه ويمارس دوره الوطنى كإحدى القلاع الرئيسية المشاركة فى بناء الرياضة المصرية.. وكنا نظن أنه نموذج للديمقراطية بتعدد الاتجاهات فيه وحيوية العلاقة بين أبنائه كقيادة ومعارضة.. لكننا وجدناه نموذجاً للفوضى التى تترجم الوجه السلبى للديمقراطية.. لا يتعلم أبناؤه من الدروس الصعبة، ولا يخجلون من جماهيرهم العريضة فى مصر والعالم العربى، وهم يشاهدون مسرحية هزلية ممتدة العرض، لا تسدل الستار أبداً على أحداثها، حتى تحول فى نهاية الأمر إلى مصدر للسخرية والتهكم.
لقد جربت فيه الدولة كل أساليب العلاج.. لكن ظل المريض طريح الفراش.. جربوا فيه التعيين ولم يفلح، وجربوا فيه الانتخابات ولم ينجح.. خاف منه كبار مشجعيه من رجال الدولة، فرفضوا أن يشاركوا فى تصحيح مساره.. وضاقت مساحة الاختيار، واقتصرت على مجموعة تتناوب قيادته، ولا تقدم له إلا الفشل.
ورغم ما تميز به طوال تاريخه من امتلاك نجوم متميزين، وإيقاع أداء جميل، فإنه كان أبعد من الأهلى بكثير فى حصاد البطولات لأن الإدارة فيه كانت أبعد بكثير من أن تستثمر مميزاته، وتستفيد من تاريخه وجماهيريته.. إما إدارة منتفعة، تهدر أمواله، وتبنى نفسها، ولا تبنى النادى، وإما إدارة مؤقتة لا تملك وقتاً، ولا قدرة، ولا إمكانات لكى تنفذ برنامجاً خاصاً لها، وإما إدارة محدودة الفكر، لا تفكر إلا فى حدود الاحتياجات الوقتية، ولا ترسم طريقاً للمستقبل لأنها تعرف أن الحال لا يدوم فى ناديها وأن غيرها سيقطف ثمار ما زرعته.. وباستثناء المهندس محمد حسن حلمى الرجل العظيم، لم تكن هناك قيادة فكرت فقط لنادى الزمالك، ولم تفكر لنفسها أولاً.
نعود ونطرح السؤال: كيف ينهض الزمالك؟
والإجابة بالتأكيد- كما يتوقع الجميع- معقدة فى ظل تعقيدات حالة النادى.. لكن يمكن طرح حلول، اقتناعاً بأن أى أزمة لابد لها من حل إذا توفرت فعلاً إرادة الحل.. الطرح الأول أن يتخلص كبار رجال الدولة الزملكاوية من مخاوفهم، ويتقدم أحدهم لترشيح نفسه فى الانتخابات والمؤكد أنه سينجح، ويكون قادراً على إحكام قبضته على النادى، وإعادة الهيبة له.. والطرح الثانى أن تبادر الدولة وتختار هى هذه الشخصية لتقود مجلساً بالتعيين، يرتب أوراق النادى لفترة معينة، ويرسخ مبادئ للعمل، ثم تجرى انتخابات لاختيار مجلس منتخب.. والطرح الثالث أن تختفى المجموعة التى يدور النادى فى فلكها، ولم يأخذ منها سوى الفشل والمزيد من التدهور.. والطرح الرابع أن تقف الدولة ضد نقل النادى إلى أروقة المحاكم فى كل صغيرة وكبيرة، ويمكن فى هذا الصدد أن تشكل محكمة رياضية أكثر تخصصاً واستيعاباً للطبيعة الخاصة للرياضة.
وفى هذا الإطار لا يمكن أن ينجح أى حل بدون جمعية عمومية واعية وتشعر أيضاً بالمسؤولية، ولا يكون كل همها أن تحقق مكاسب خاصة من المرشحين.. أى لابد أن تكون لها رؤية أكثر شمولية لمستقبل النادى، وتقتنع بأن الاستفادة الحقيقية الدائمة، تتطلب أولاً استقراراً دائماً، وتفعيلاً لدورها.. فليس منطقياً أن تمنحها الدولة دوراً ولا تستمثره، أو أن تقاتل من أجل الانتخابات فى السنوات الأخيرة، وعندما يتحقق لها ذلك لا تحسن الاختيار.. وأيضاً لن يتحقق النجاح إلا من خلال تغيير أفكار ونوايا رواد حديقة النادى من النجوم القدامى، والرموز الذين نطلق عليهم الحكماء جزافاً، دون أن يتمتعوا بأى حكمة، لأنهم فى نهاية الأمر يختلفون أيضاً على الأشخاص، وتسيطر عليهم الميول الشخصية، ولا ينجحون فى أى مرة فى أن يحددوا موقفاً إيجابياً عملياً، يمكن الاستناد إليه.. هذه أفكار تبدو جيدة على الورق، ومطلوب أن تنتقل إلى أرض الواقع، وهذه هى الصعوبة التى تحتاج إلى تخطيط وإدارة من جهات أكبر، تقتنع بأن الزمالك مؤسسة مطلوبة فى المجتمع، ولا غنى عنها فى الرياضة، ولا مجال للتفكير فى ضياعها، وإلا ضاعت أشياء كثيرة جميلة وتلاشت من خريطة الرياضة.
وأنا ألتمس العذر للمجلس القومى للرياضة، لأنه لن يستطيع وحده القيام بهذه المهام، ولابد أن يجد مساندة كبيرة وحيوية من الدولة.. فالدور الذى يمنحه القانون واللائحة للجهة الإدارية له حدود فى التدخل والتأثير.. وفى حالة الزمالك بالتحديد الأمر يحتاج إلى أفكار عبقرية وخطوات غير تقليدية ورؤية غير مسبوقة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة