سعدت أيما سعادة بحكم القضاء الإدارى ببطلان عقد تخصيص أرض مشروع مدينتى.. لم يكن مبعث السعادة أن الأرض تساوى مبلغا أكبر مما بيعت به، لكن لأن الحكم النهائى كان خارج نطاق التوقع والاحتمالات، فالقضاء المصرى ما يزال يستطيع أن يصدر أحكاماً مستقلة حسبما يقدر ويرتئى بصرف النظر عن الآراء المختلفة تأييداً أو معارضة لها.
وتعجبت أيما تعجب حين سمعت وزير الإسكان يتحدث عن تطبيق الحكم لكن مع مراعاة كل الأطراف المرتبطين به.. الحاجزين والمساهمين والعاملين بالشركة، مقدراً العدد الإجمالى لهؤلاء جميعهم بمليون وربع المليون شخص.
واستبشرت أيما استبشار بصدور توجيهات الرئيس مبارك بتكوين لجنة مستقلة لتنفيذ الحكم الصادر.
وما بين السعادة والتعجب والاستبشار كان هناك الكثير من التحليل ومحاولات الفهم لكثير من تلك الأحداث.. ست سنوات مرت على بدء المشروع صار فيها أحد أكبر إن لم يكن على إطلاق الفعل أكبر المشروعات العمرانية السكنية الخاصة فى مصر، وبالفعل تدفقت أموال كثيرة فى المشروع سواء كدفعات حجز وشراء أو تكاليف إنشاء للمدينة الجديدة، وعلى الرغم من أن الوحدة التى تصلح لشاب ذات مساحة تربو قليلاً على المائة متر قارب ثمنها فى المشروع على نصف مليون جنيه أو يزيد، إلا أن ذلك لم يكن عقبة عند الكثيرين الذين سارعوا بحجز وحداتهم، وبالتالى فالمشروع قام وخطا العديد من خطواته وصار أحد المشاريع الأكثر شهرة على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد، وبالتالى صار من الصعب الحديث عن التراجع أو التعديل لمشروع قطع مثل هذا الشوط حتى أصبح واقعاً.
و لعل أول إثارة لهذا الموضوع كان من المحامى طلعت السادات على هامش قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، لكن الجميع ساعتها استطاع أن يميز ما بين القضية الجنائية والشركة والمشروعات، وبالفعل تغيرت إدارة مجموعة طلعت مصطفى.
وليس الموضوع أن القضية تحركت قانونياً مرة أخرى، لكن صدور الحكم النهائى ضد الشركة وضد الدولة وضد العقد المبرم بينهما هو الأمر الذى لم يكن على البال ولا على الخاطر.. خاصة بال الحكومة وخاطر المهندس أحمد المغربى أو مجموعة طلعت مصطفى.
حكم تسعد لسماعه للوهلة الأولى.. لكن ما تلبث أن تتريث إلا وتجد أن المشكلة معضلة، خاصة حين تسمع رد الحكومة ممثلة فى وزير الإسكان بأنها سوف تنفذ الحكم الصادر لكنها ستراعى مصالح حاجزى الوحدات وموظفى الشركة والشركة نفسها التى تعاقدت بحسن نية- والكلام لوزير الإسكان- وكذلك مصالح مساهمى البورصة والاستثمار فى مصر، وفوق ذلك كله مصالح الشعب والحكومة!! وأضف ما شئت من علامات التعجب، فإذا حدث ذلك كله فأين الحكم وأين تنفيذه؟
فإذا تم الالتزام بالأسعار التى تم الاتفاق عليها بين الحكومة والشركة حفاظاً على الاتفاقات المبرمة، وبالتالى ثقة رأس المال فى التعاملات المالية والتجارية والاقتصادية فى إطار التزام قانونى بها، فعلى عاتق من يقع فارق السعر الذى حوله صدر الحكم؟ وإذا صبت الإجراءات فى صالح كل الأطراف كما فى التصريحات الحكومية فأين تنفيذ الحكم فى ذلك؟.. إن الحكم كان بمثابة رصد لخطأ وأمر بإيقاف الصفقة أو أقله إصلاحها نظراً لبطلان عقد التخصيص بحسب نص الحكم، وهو أمر لا يمكن حدوثه دون الإضرار بمصلحة طرف من الأطراف، كالاتفاق على سعر جديد للأرض تتحمل الشركة الزيادة فيه بدلاً من أن يتحمله الشعب، لأن المال العام هو ثروة الشعب كله، ليس مالاً يخص الحكومة يجوز لها أن تتصرف فيه، لكن تبقى مشكلة ثقة المستثمرين ورؤوس الأموال التى بالطبع ستهتز حال تعديل سعر وعقد أبرم منذ سنوات وتقول الحكومة إنه أبرم بطريقة صحيحة وبحسن نية إلا أن يثبت عكس ذلك وهو ما قد يفتح السبيل للحل.
حكم مدينتى فتح ويفتح الباب أمام طرق الكثير من الحالات المشابهة، وهو ما بدأ بالفعل فى أرض مشروع بالم هيلز فى القاهرة الجديدة والبقية آتية.. مأزق قانونى واقتصادى يتطلب الكثير من الحكمة فى التعامل معه، ويتطلب كذلك أن نراجع أنفسنا وأعمالنا كى لا ينسحب أثر هذا الحكم على أمور أخرى كثيرة فى حياتنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة