فاطمة ناعوت

سأختارُ دينَ «الحرامى» خوفاً من الوقوع فى الفتنة

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010 03:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعتذرُ، بدايةً، عمّا بعنوان المقال من مجاز ومبالغة. والحقّ أن هذه العبارة لها ما يبررها فى متن المقال. والحقُّ أيضًا أن تلك العبارة، بما تحمل من بلاغة رمزية ومبالغة مجازية، ليست من صياغتى، بل من صياغة مواطن مصرىّ، ضربه الظلمُ والشعور بالعجز وقلّة الحيلة، فأخرجت منه المرارةُ تلك البلاغةَ التى أحسده عليها، وربما يحسده على صوغها الشعراءُ. رغم ما فى العبارة من استفزاز، ربما يستشعره القارئ منذ الوهلة الأولى. لكننى أتمنى على القارئ، أن يؤجل حكمَه حتى يُنهى المقال، ليكون حكمُه أكثر علميةً، وعدلاً.
وصلتنى هذه الصرخة من مواطن مصرى اسمه: سامى يونان. أنقلها تقريبًا كما هى، لم أتدخل إلا فى أقل القليل، ولم يعمل قلمى إلا فى تعديل الصياغة والأسلوب؛ لأننى لم أُرِد أن أُفقدَ الرسالةَ طاقةَ القنوط المُرِّ والشعور بانعدام العدالة، تلك التى تملؤها بسبب المهزلة التى وراءها.
قبل أسبوعين، اتصل به الجيران فى التاسعة صباحًا، وهو فى عمله، ليخبروه بأنهم أمسكوا بلصٍّ يحاول سرقة منزله. وكانوا قد اتصلوا بشرطة النجدة فى السابعة، ووعدت الشرطةُ بالحضور، ولم يأت أحد! ترك الرجلُ عمله وأسرع إلى بيته ليجد الجيران وسكّان الشارع وقد احتشدوا هناك. أخبروه أنهم سمعوا صراخ الزوجة ينبعث من شقتهم فأسرعوا، ليجدوها فى حالة انهيار تام. بينما اللص قد سقط من شباك الصالة فى منور العمارة، أثناء محاولته الهرب، بعدما اكتشفت الزوجة وجوده. من جديد، عاود الاتصال بالنجدة، ثم بشكاوى وزارة الداخلية. وليس قبل الثانية عشرة ظهرًا، حين وصل أمين شرطة، قام بالقبض على «السيد الحرامى».
فى قسم البوليس سأله الأمين: «ليه بتضربه؟» فأقسم الرجلُ أنه لم يفعل! فاستأنف الأمين: «عايزين تاخذوا حقكم، يبقى بالقانون بلاش ضرب!» فأعاد القسَمَ بأنه لم يضربه، بل سقط اللصُّ حين افتضح أمره. وشهد الجيران بأنهم شاهدوا اللصَّ وراقبوه لحظة محاولة الهروب وسقوطه فى المنور، كل هذا قبل وصول الرجل من عمله.
وهنا، أطلق الأمين القنبلة المدوية. قال إنه مضطر إلى تحويل كلٍّ من السارق والمسروق إلى نيابة أمن الدولة؛ لأن الأول مسلم والثانى مسيحى! ثم أردف، بإيماءة العالم بطبائع الأمور: «ودى طبعاً، فيها سين وجيم!»
- «والعمل؟»
- «نعمل محضر صُلح، وعدم تعرض منك ولا منه، ويا دار ما دخلك شر، وتروحوا لحال سبيلكم. وبعدين لازم تاخد الحرامى وتعالجه، لأنه ممكن يعمل لك محضر، وتقرير طبى، وشغلااااانة».
وبالفعل أخذ «المسروقُ» «السارقَ» إلى صيدلية قريبة وعالج خدوشه التى تسبب فيها قفزه من شباك الشقة المنهوبة. ودفع «المُعتدَى عليه» مصاريفَ علاج «المعتدى»، ثم راضاه لكى يضمن عدم رفعه قضية تحرّش طائفى عليه!
وأُقفِلَ المحضر فى ساعته وتاريخه، تحت رقم 18 ح، بتاريخ 23/8/2010.
لكن النكتة فى الأمر، أن المحضر خرج بصياغة: «عدم تعرّض»، وليس: «سرقة»، بعدما اعتذر اللصُّ، ووعد بعدم محاولة سرقة هذا المسكن بالذات، فى خُططه اللصوصية القادمة!
يحدثُ هذا فى بلدنا العريق مصر، أول دولة فى التاريخ سنّت القانون والتشاريع! يحدث ذلك بعد عشر سنوات من الألفية الثالثة، بين مواطنيْن: أحدهما «منهوبةٌ حقوقه»، وخائف، والثانى «ناهبُ حقوق» ومستقوى! الأول مجبورٌ بأقليّته، والثانى مَحْمىٌّ بأكثريته، وبالمادة الثانية فى الدستور!! يحدث فى بلد يدين بالإسلام الذى حرّم اللهُ فيه الظلمَ على نفسه، لكى نتعلم، نحن العباد، ألا نتظالم فيما بيننا، كما ورد فى حديثه القدسىّ: «يا عبادى، إنى قد حرّمتُ الظلمَ على نفسى، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالموا».
قال لى الراسل فى رسالته البائسة: فى المرة القادمة سأختارُ أن أكونَ على دين الحرامى، كيلا تُسرق حقوق مواطنتى فى وطنى، على مرأى ومسمع من أسرتى وجيرانى وأطفالى، والأكثر بؤسًا، تحت عيون رجال الأمن الذين يؤمّنون حياتى مقابل مواطنتى، ومقابل ما أدفع من ضرائب تُقتصُّ مباشرة من راتبى.
وهنا أسألُ أولى الاختصاص: هل للجريمة دينٌ؟ وهل عدم تظالم العباد، كما أمرنا الله، يخصُّ عقيدةً دون أخرى؟
لكن الحكاية لم تنته.
فى المساء سأل الأطفالُ أباهم: «هو ليه الحرامى متحبسش يا بابا؟».
وعجز الأبُ عن الإجابة. فسألنى بدوره: «هو صحيح ليه الحرامى متحبسش يا أستاذة فاطمة؟».
وبدورى أعجزُ عن الإجابة، ومن ثَم أحوِّل ذلك السؤالَ المُلغز إلى وزير الداخلية، السيد حبيب العادلى: «هو ليه الحرامى متحبسش يا سيادة الوزير؟».






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة