خالد صلاح

خالد صلاح يكتب: الكرة الآن فى ملعب الحزب الوطنى

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010 09:54 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الوفد أسّس منهجاً ديمقراطياً ومؤسسياً يؤكد أننا أمام رجال دولة حقيقيين قادرين على المشاركة وتداول السلطة فى مصر

لا ينبغى أبداً أن تمر مروراً عابراًً على ما جرى فى حزب «الوفد» صباح الجمعة الماضى، ولا ينبغى أن تنظر إلى التصويت على المشاركة فى الانتخابات البرلمانية بين أعضاء الهيئة الوفدية باعتباره عملاً عادياً أو مشهداً إجرائياً بلا دلالة، فهذه هى المرة الأولى التى يتحول فيها نشاط أحزاب المعارضة من العمل العشوائى الاستبدادى، إلى البناء المؤسسى القائم على الديمقراطية والمشاركة، فالوفد هنا يرسخ منطقاً جديداً فى الإدارة السياسية يؤهله بلا شك لأن يصبح منافساً قوياً للحزب الوطنى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، وفاعلاً أساسياً فى المعادلة الوطنية فى مواجهة أى نوع من احتكار السلطة فى المستقبل.

لا أختزل هنا مشهد الجمعية العمومية لحزب الوفد فى مسألة التصويت على عدد من القرارات، بل يمثل هذا الحدث فى تقديرى ما هو أبعد من ذلك، إذ يشير إلى الآليات الجديدة فى التحرك السياسى التى يعتمدها رئيس الحزب والهيئة العليا بذكاء لافت، فالدكتور السيد البدوى يرسم نهجا مختلفا فى صناعة القرار، ويعيد بناء صورة الحزب فى الشارع برؤية مختلفة تساهم فى إعادة الأمل فى الأحزاب السياسية الشرعية، وتؤكد أن تداول السلطة فى مصر يمكن أن يصبح (حلماً ممكناً) بعد أن كان (وهماً مستحيلاً) منذ سنوات ما بعد ثورة يوليو وحتى اليوم.

لا أخفى من جانبى انحيازى لمشاركة أحزاب المعارضة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة حتى إن كانت احتمالات التزوير قائمة، ورغم أننى أتقاسم مخاوف التزوير مع كل هؤلاء الذين يدعون للمقاطعة فإننى لا أرى المقاطعة حلا للمأساة، بل أجزم بأن المزيد من المشاركة الفاعلة يبدد قوى تزييف الإرادات إلى غير رجعة، عملاً بقول الله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)، والدفع الذى تملكه القوى السياسية هنا هو المزيد من المشاركة، والمزيد من مواجهة احتمالات التزييف بكل السبل، حتى إن كان احتكار الحزب الحاكم لأغلب المقاعد قدرا لا مفر منه، لكن المشاركة فى النهاية تعنى أن إرادة المقاومة السياسية لا تزال نابضة، وأن البديل السياسى المتحضر هو الاختيار الأول للمصريين بدلا من البدائل المتهورة التى تطيح بمفهوم المشاركة الديمقراطية وتتسبب فى الإضرار بالمصلحة العامة، وتقودنا إلى مرحلة من الفوضى تخدم الاستبداد السياسى وتستنفر الإدارة السلطوية ضد كل تحرك شعبى فاعل بين الناس.

الكرة هنا فى ملعب الحزب الوطنى الديمقراطى، بعد المشهد الديمقراطى الذى قدمه «الوفد»، فالحزب الذى كان يعاير المعارضة المصرية بتراجع شعبيتها وعدم قدرتها على التحرك الجماهيرى لا يستطيع أن يلقى هذه الاتهامات على «الوفد» اليوم، والحزب الحاكم الذى كان يكايد أحزاب المعارضة بأنها خاضعة لسيطرة ديكتاتورية رؤساء الأحزاب لا يستطيع أن يوجه التهمة نفسها لحزب الوفد بعد انتخابات يوم الجمعة الماضى.

الحزب الوطنى الذى كان يبحث عن (شريك فاعل ومتزن ومؤسسى) لتطبيق آليات تداول السلطة صار أمامه الآن حزب نابض بالحيوية وقادر على الأداء الديمقراطى، لا يتراشق فيه الناس بالسلاح، ولا ينقل صراعاته إلى ساحات الصحف ويواجه مشكلاته الداخلية بصبر وبالاحتكام لجمعيته العمومية، ويتخذ قراره ديمقراطياً على نحو رفيع المستوى.

لا مجال أمام الحزب الوطنى لإنكار كل هذه الحقائق، ومن ثم فإن مؤسسات الدولة والحزب الحاكم إن لم يلتقطوا هذا الخيط لإثراء التجربة الديمقراطية فإنهم وحدهم سيدفعون ثمن ذلك من شيوع حالة اليأس والفوضى فى البلاد، وإن لم يمثل حزب الوفد ومرشحوه ومرشحو الائتلاف فى البرلمان القادم على النحو الذى يعبّر فعلياً عن هذا التطور فإن الخاسر الأكبر سيكون الحزب الوطنى نفسه الذى لن يجد منافساً مؤسسياً بعد اليوم، بل سيقف وجهاً لوجه أمام دعاة العصيان وفلاسفة ثورة الجياع بلا رحمة.

إن كانت الدولة وكبراؤها قد سخروا من الدكتور البرادعى ومن دعاة العصيان المدنى والمظاهرات المليونية واعتبروهم خارجين على الدستور والقانون، فإن أمام الدولة -وأمام الحزب الوطنى- فرصة نادرة وفريدة لكى تتقاسم المسؤولية مع حزب كبير يعتمد النضال القانونى أساساً لحركته السياسية، ولا تغريه الشعارات الغاضبة التى تهدد بالفوضى وبالتخريب والعصيان على حساب الاستقرار الأمنى والاجتماعى والسياسى فى مصر.

الوفد لم ينسحق أمام الشعارات الجامحة، والجمعية العمومية لهذا الحزب العريق لم تنفلت إلى حيث الصخب السلبى، بل فضلت المشاركة الإيجابية، والحزب الوطنى عليه أن يختار، إما أن يقبل المشاركة وإما أن يتراجع الجميع ليتركوه وجهاً لوجه أمام الفوضى.

حزب الوفد برهن على أن قياداته وجمعيته العمومية تنعم برجال دولة حقيقيين يحترمون العمل المؤسسى، ويقدرون القانون، ويناضلون بالوسائل السلمية، ولا يتأخرون عن المشاركة الإيجابية، رغم كل التجارب السلبية القاسية فى تلوين إرادة الناس فى انتخابات مجلس الشعب.. والحزب الوطنى ومؤسسات السلطة يجب أن يلتفتوا إلى ذلك ويعرفوا أنه لا مجال هنا لإجهاض هذا الإنجاز السياسى، وأن أى نوع من تزييف إرادة الناس أو وأد هذه التجربة سيؤدى إلى عواقب بالغة الخطورة على المستقبل السياسى فى مصر.
الكرة فى ملعبكم.. فكونوا على قدر المسؤولية.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة