ما أشبه اليوم بالبارحة؟!!.. ما أشبه اللحظة الحالية من عمر الوطن بلحظة النكسة، حيث الشعور باليأس والإحباط فيما بعد انتكاسة الأمة ورجالها.. أحلامهم التى عاشت شعوبهم معهم على أمل تحقيقها، بعدما صوروها لهم على إنها سهلة المنال والتحقق رغم ابتعادها عنهم بقرون سنين، حيث مازالوا تائهين من وقتها لا يعلمون كيف الوصول إليها؟!!.
عندما حلت النكسة فى 67.. خرج الزعيم جمال عبد الناصر ليعلن مسئوليته الكاملة عن ما حدث.. عن تنحيه وتركه لمنصبه لمن يرى فى نفسه الأصلح له، ذلك بعدما اكتشف خيانة من حوله لثقته بهم، ومن ثم خيانته لثقة شعبه به. خرج كمسئول يتحمل مسئولية من سوف يسئل عنهم، وعن ما أصابهم وقت مسئوليته عنهم.. خرج للاعتراف بما أخطأ فيه تاركا الحكم للشعب، والذى خرج بدوره بعدها مطالبا إياه بالاستمرار لتدارك الخطأ.
وقتها كان العدو خارجيا ويعلم الجميع حقيقة نواياه، لم يكن يعبث بنا من داخل حدود الوطن.. محاولا وعن سابق إصرار وترصد هدم جميع ما تبقى لنا من حوائط نحتمى بها وبين جنباتها.. لم يأت متخفيا فى ثوب الـ"حملان الجدد".. ولا حاملا لأفكار جديدة.. ممن على شاكلة تاجرى شعارات اليوم، التى لا يعلم أحد ما تحمله، لكنهم علموا وجوههم الحقيقية من وراء ماسكات الشفافية.
المسأله ليست مقارنة بين عصرين يختلفان تمام الاختلاف عن بعضهما البعض، لكن الحديث ربما يأتى كبحث عن جواب لسؤال أصبح يتردد كثيرا، بعد أن فاض الكيل وملت الأذان لغة الوعود التى لا تحقق..30عاما ولم يعد يعلم أحد إلى أين يمضى الوطن؟!!.. حتى من نصبوا أنفسهم مسئولين عنه وعنا، حيث هم يعلمون!!.. ونحن لا نعلم.. فهل علم منهم بمولد طبقة جديدة تحت مسمى"معدومى الدخل"؟!.. كم من أراضى الدولة تم الاستيلاء عليه بوضع اليد، وكم منها يتملكه مجموعة "الأقربون"؟!.. كم تبقى منها لكى لا ينزح المواطنون خارج حدود أراضيهم لتشكيل مدن العشوائيات؟!!.
هل شعر أحدهم بالمرارة أثناء توقفه فى زحام خانق غير معلوم الأسباب.. استقل المترو يوما كمواطن وليس كمسئول؟.. وقف أمام طابور عيش؟. هل واجه ضائقة مالية؟، حيث البحث عن مصروفات رمضان والعيد والمدارس فى وقت واحد فى ظل زيادة مطردة فى أسعار كل شىء من حوله دون سبب معلوم سوى احتلال الجشع للقلوب؟!!. هل جلس دون كهرباء بالساعات؟!!..سكن القبور يوما؟!!.. فكر فى تجربة النوم ع الرصيف؟!!.. أو الجلوس عليه فى أحد الأيام محاولا كسب قوت يومه؟!!.. أو التذلل أمام عيادات المستشفيات باكيا طلبا للعلاج؟!!. هل صحيح أن فاقد الشىء لا يعطيه؟!!، ومن ثم فإن عدم معايشة الحال لا تنتج شعورا به؟!!!. ربما نحن مصرون بالفعل على النظر إلى الجزء الفارغ من الكوب، لكن إلى متى سيظل فارغا؟
