بلال فضل وأهل كايرو

حين تشاهد على الشاشة عملا إبداعيا فيه بشر تشعر أنهم قطعة منى ومنك، سيقودك التفكير على الفور أنك أمام مؤلف هو أيضا منى ومنك، يشم أنفاس البسطاء، وينطق بنفس كلماتهم، ويؤمن بنفس قيمهم الجميلة، ويسخر موهبته الإبداعية التى غرسها الله فيه للتعبير عنهم.

ومنذ أن أنعم الله علينا بقمم مثل الراحل العظيم أسامة أنور عكاشة، والراحل العظيم محسن زايد، ومحفوظ عبد الرحمن الذى نفتقد إبداعه منذ سنوات، ويسرى الجندى ووحيد حامد، تعودنا أن يكون اسم المؤلف هو علامة جودة العمل الفنى، وهو سر جمال هذا العمل بالدرجة التى تجبرنا على متابعته كمسلسل يومى يأتى فى ساعة معينة تتحول إلى توقيت محدد يعطينا جرعة من البهجة نفتقدها، أو شجن نبيل يحرضنا على السمو.

فى هذا العنقود من المبدعين يأتى بلال فضل الذى أبهرنا فى مسلسله الجميل "أهل كايرو"، مسلسل جميل فى حكايته التى سرقتنا من بدايتها، فهى تشمل كل التنويعات البشرية التى تسير على طرقات مدينتنا بشوارعها وحواريها، تنويعات بشرية موزعة فى أحلامها، منكسرة إلى حد عدم التصديق بأن ساعة من العمر تمر فى حياتهم.

رسم بلال شخصياته كما تراها فى الواقع، تتحدث بنفس اللغة، تنطق بنفس الكلمات، تكيل الشتائم التى تسمعها دون مواربة، تدعو الله أن يكفيها شر حاكم ظالم، شخصيات يدفعها جموح الطموح فى الثراء إلى سلخ جلدها، كما نجد فى شخصية أمنية عبد الحميد التى انقلبت على عالمها البسيط الذى يعد والدها عنوانه، وقصة حبها مع على القاضى الذى نسجه معها بقصائد شعر وكلام عن الطبقية.

كتب بلال شخصياته بغوص عميق فى داخلها، مما ساعد نجوم العمل على البوح عما فى داخلها، ولهذا لم نجد شخصية "زاعقة" أو شخصية تمثل علينا، ولأن الغوص بعمق فى داخل شخصيات "أهل كايرو "هو الأساس فى إبداع بلال، وجدنا ثراء فى شخصية ضابط البوليس الذى لعبه المتألق خالد الصاوى، وأجمل ما لمسه بلال فى هذه الشخصية هو تقديمه لضابط البوليس بوصفه إنسانا، قبل أن يكون موظفا شاءت الظروف أن تكون لديه سلطة، لو أساء استخدامها سيرهب الناس بها.

امتد الثراء إلى كل المكونات الفنية لهذا العمل إخراجا وتمثيلا وديكورا، لكن تبقى موسيقاه الجميلة منطقة شديدة الجمال، لأنها تنطق فى كل مشهد بما يوجد من صراع داخل أبطاله.

أكد بلال فضل فى "أهل كايرو" أن المؤلف أصبح بالفعل هو النجم الأول للعمل الفنى، تلك النظرية التى بدأت مع الراحل العظيم أسامة أنور عكاشة، وأقام أعمدتها معه أسماء مثل التى ذكرتها فى البداية، وها هو بلال يؤكد عمق عموده الخاص للإبقاء على هذه النظرية.. نظرية:" المؤلف هو النجم الأول للعمل الفنى".