شريف أشرف يكتب: بعد عام كامل من وفاة أمى أكتب وأقول

الأحد، 19 سبتمبر 2010 09:04 م
شريف أشرف يكتب: بعد عام كامل من وفاة أمى أكتب وأقول

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مر عام كامل..عام كامل أنازع الغرق فى بحر الخوف.. ألمح فيه خيوط الرعب تتدلى من فوقى.. لتصطدم بوجهى فى الظلام فتخيفنى.. عام كامل مرَ.. عام مرُ جعلتنى مرارته أنسى أى معنى للفرح قد عشته من قبل.. عام كانت الوحدة فيه تقتلنى، وإن كنت وسط الناس، وتزيل من صدرى معانى الحزن لتملأ مكان الحزن إحساسا بضياع الهوية والغرض..

الحق أن الحزن ما كان يخرج من صدرى بسهولة.. بل كانت الوحدة تخرجه من صدرى فى عناء شديد.. له ولى.. كان الحزن يخرج من صدرى كالروح تخرج من صدر صاحبها.. وما كانت تخرجه وتترك إحساس فقدان الهوية فقط.. بل كانت تأخذ قناطير الحزن ذاك وتسريه فى دمى.. لتنشر الحزن فى كل جسدى.. فأكون جسدا حزينا بلا هوية.. وحقا فكرت كثيرا.. كيف لى أن أشعر بالوحدة مع أن بجوارى كثير ممن أحب.. ويحبوننى.. لماذا أصبحت الابتسامة تدوم وقت رسمتها على وجنتى فقط!!.. وتزول فى لمح البصر.. وأدركت حين ذلك أن من نحبهم كثر.. ومن يحبوننا كثر.. ولكن هناك من إذا رحل.. رحل معه كل شىء.. وهذا ما كان.. فعندما رحلتى.. رحل معك كل شىء.

مر عام كامل.. أود أن أخبرك بما حدث فيه.. نعم.. بعد أن رحلتى عن دنيانا بلحظات قصيرة.. بكيت كالطفل.. وانهمرت دموعى.. وشعرت بأنى أنهار وأفقد شخصى.. وأتى إلى منزلنا كثيـــر يشدوا من عزمنا.. فلم أكن وحدى من شعر بالانهيار.. وجد كل منا أحدا يبكى وسط يديه.. فقط يبكى دون أن يحكى.. فأنا أعرف أنه ما كان ليفهم ما بى إلا أنت.. كثيرا كنت أبحث عنك لأحكى لك.. ولكن دون جدوى.. من جففوا دموعى يقرءون رسالتى تلك الآن ويعرفون أنفسهم.. ولكن لا أظن أن يعرف أحدهم قدر عرفانى لهم بما فعلوه.. قد كان للوحدة المطلقة أن تجعل منى وحشا.. أو تجعل منى خيطا من جبن وخوف.. لكنهم كانوا يحاربونها معى.. أشكركم.

وبعدها بأسابيع أصبح بكائى خليطا بين الدموع والحزن العميق.. نعم.. فلقد بدأت أشعر بالحزن بعد فقدانك بفترة.. كانت المفاجأة كفيلة بأن تزيل من عقلى المعانى والأفكار وقتها.. كنت أحاول أن أقضى معظم أوقات اليوم خارج المنزل.. كى لا أرى ركنا فيه يذكرنى بكلمة منك.. أو كنت أبعد عنه لأنه صار أوسع بكثير مما يلزم ليضمنى.. أصبحت أرى العالم بعدك بشكل مختلف.. تغيرت بداخلى كثير من المعانى.. أصبحت أدرك تفاهة الدنيا بأكملها.. كنت إذا حدث شىء جديد فى حياتى أجرى مسرعا كى أخبرك.. فأتذكر أنك قد رحلتى .. فتصير لهفتى وسعادتى لم قد جد فى دنيتى ألما.. كثيرا ما أكون صامتا.. فبما أحكى أو أقول؟.. من الحس ما لا يوصف.. وهذا ليس إحساسا واحدا.. وهذا هو الأمر إذن.. إنى أصبحت أشعر بالكثير من أشكال الشعور حتى عجز قلبى عن فهم أحدها.. ومضت الشهور.
مضت الشهور وبدأ من كانوا يقفون بجوارى فى الانصراف.. كيف يداومون إذا.. قد حاولوا.. ونجحوا كثيرا.. ولكن ما كان بعد بعادهم إلا أن عاد الشعور.. كانوا بمثابة المسكن اللحظى.. قد بدءوا فى البعاد لأنهم قد وجدوا فى حياتهم أهم بكثير من أن يستمعوا لحديثنا.. أو أن يشغلوا تفكيرهم فى محاولة فهمه.. تلك الحياة إذن.. تلك الفطرة.. تلك هى الحقيقة..

طوال هذا العام كنت أحاول أن أهتم بدراستى.. ولكنى كنت أفشل فى فهم الكلمات.. كان هذا إجهاد كبير لذهنى وقتها.. فما كنت أفعل سوى أنى أبحث عن سبيل لأمضى فيه وقتى.. حتى لا يتبقى من الوقت شيئا أكون مطالبا فيه بأن أقرأ شيئا فى كتابى.. وبعدها بمدة آخرون أصبحوا من يصنعوننى.. ويشدون من عزمى وقوتى.. بكلماتهم.. كانوا يمدوننى بالقوة حتى وإن كان ذلك دون عمد منهم.. فردين .. أحدهم كانت كلماته تحيينى.. والفرد الآخر كان وجودى معه يزيل منى الملل والسأم.. أشكركم..

وبدأت وفقط قبل الامتحانات بأسبوع أن أدرس..وأبليت حسنا.. أحمد الله على ذلك.. وانتظرت نتيجة سهرى ومجهودى الرهيب الذى بذلته بتلك الفترة القصيرة.. ولكنى صدمت بنتيجة لا تليق بما قدمت.. ولست وحدى.. كثيرا وجدوا ما لم يكونوا يتوقعوه.. ضعف منهم كثير.. وقوى منهم كثير بعد الفاجعة.. وكعادتى صدمت أولا.. ثم حاولت واستمر الطريق وأديت المحاولة الثانية وها أنا ذا أنتظر نتيجتها.. فى أى من الحالات فقد ربحت معانى القوة والعزم.. وتعلمت الكثير.. وعلمت الكثير.. وادعوا الله أن أنجح.. فسيكون ذلك خبرا ينسينى شيئا من الحزن.. ويعطينى شيئا من الهوية والغرض مرة أخرى.. وقد تكون نقطة جديدة فى حياتى.

فى ذلك العام.. أصبحت كثيرا من أقوالى أفعال.. وأظن أنى اكتسبت الكثير من الأصدقاء الجدد.. فى ذلك العام حاولت أن أرسم كل ما شعرت به فى كلمات ولكنى كنت دائما أعجز.. فكنت ألقى بقلمى بعيدا حتى لا أكتب ثانية.. وحدث الكثير فى ذلك العام.. الكثير مما كان سيحدث إذا كنت لم ترحلى.. فلن أحكيه.. قد حاولت أن أخبرك بما حدث كله ولكنى أيضا عجزت.. فلقد أنسانى شعورى بأنى أرسل لك كل ما كنت أرتبه لأقوله لكى.. وأقول لا تتركينى يوما دون أن تأتينى فى منامى.. لتخبرينى عما فى حياتك الأخرى.. تعلمين أنى سآتى قريبا.. فما الدنيا إلا ثوان معدودات.. تعلمين أنى أحبك أكثر من قدر الدنيا كلها.

رحمك الله يا أغلى ما كان وما سيكون.. رحمك الله يا أمى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة